وهو أيضاً يسير في الطريق التي لا تعرف نهايتها، طريق السعادة، يحمل رأسه بين يديه، وليس في قولي هذا غلو أو خيال، فمن المعلوم أن الأساطير تروي سيرة هذا القديس المبارك، الذي بترت رأسه فالتقطها وبقي على قيد الحياة. وأقيمت لها التماثيل على هذا الشكل في الكنائس والبيع، وقد سمعته يتأوه مرتلا هذا القول: يا لها من كآبة. . . أنني لا أزال احمل رأسي فاسمع وأرى. . . وقد تعاقبت علي العصور والسنون، وبلغت من العمر جد عتياً. لقد سئمت أحاديث المتدينات الساذجات. وكل منهن تسر إلي أحلامها، وأمانيها، وتطلب مني الصحة والجمال أو زوجاً مخلصاً مع كثير من المال، لم تتبدل أقوالهن منذ مئات الأعوام. وهن يلمسن قدمي حتى ذابتا، ويرقن العبرات من عيون خلقت للجمال، وأنا لا أبصر غير شعرهن المخضب، وعنقهن من الخلف، وكلهن خاضع أمامي، راكع دوني، وفي قلوبهن المرارة أو الغيرة، وعلى شفاههن الابتسامة والصلاة، يسبحن مجد الآلهة الحنون.
لن أطيق بعد الآن صبراً، إن عملي أصعب من عمل قديس بسيط. . . أود أن أرى هذه الوجوه، وألمس هذه القلوب، فمن السعادة الإنسانية أبحث، والسعادة طريق لا تعرف نهايتها، ولكنها طريق محببة، حارة، تستهوي القديس. . .
رجوع إلى العقل
ثم ماذا حدث بعدئذ؟
ظلت السيدة (ماري) تتابع سيرها في طريق السعادة، فتعثر خطاها من حين إلى حين، ويصطدم حذاؤها العالي بالحصى والأحجار، وكان يسير خلفها الدركي التعيس، مكسور القلب، خائب الأمل، وكان يحمل نفسه على الشجاعة والإقدام، كلما سمع صوت نعيله الكبيرين يرفسان الأرض، كما تفعل الخيول من أفراد الحيوان، وأما النائب (جورج) فقط كان يرفع يده يمنة ويسرة، وكأنه يحيي الناس من غير تفكير ولا إرادة ولا عاطفة، بل بدافع العادة والتمرين. وكان القديس (دنيس) يعدو خلف الجميع لاهثاً، يقمع جسمه الرخامي البارد، ويحمل رأسه الذي يقطر دماً فيقع الدم على الأرض، ويرسم نجوماً وأزهاراً ووروداً.