غير ان الحمامة الصغيرة البيضاء، وهي تمثل روح القدس، هبطت بظلها إلى السعادة فأمست جبين السيدة (ماري) وأعادت إلى رأسها العقل، وما أصعب أن يعود العقل إلى رأس امرأة أحياناً. . .
عندما رجعت روح الرحمن المقدسة إلى زوجة كاتب العدل، تساءلت عن نهاية الطريق التي لا تعرف نهايتها، وعما ينتظرها إذا تابعت سيرها في طريق السعادة المجهولة قالت: اعتقد أن كل أنواع الحب تتشابه، وتؤول نهايتها إلى مثل حالي من الضجر والسآمة والملل. غير أني في الواقع لست تعيسة إلى حد كبير. لقد أعدت طراز حياة زوجي، كاتب العدل، وألفت عيناي رؤيته يتمطى ويتثاءب ويحمل أحشاءه من غرفة الطعام إلى السرير. أجل. أن له صوتاً نكراً، حين ينام، ولكن كثيراً مالا أنتبه إليه، وليست قراءة الجريدة اليومية التي تشغله عني ثلاث مرات كل نهار، تسؤوني إلى أقصى حد. فعندما يفتح جريدته أنظر إلى الصفحة الأخيرة منها وأرى نماذج الأزياء، وأخباراً منوعة عن حوادث الزواج والحفلات والسهرات والسرقات والإجرام. . . فما يكون نصيبي إذا تركت زوجي، كاتب العدل، وعثرت على رجل جديد لا أعرف عنه الشيء القليل قبل الشيء الكثير؟! انتهت المرأة الغربية إلى حكمة المرأة الشرقية فقالت: إن الوجه الذي تعرفه خير من وجه لا تتعرف إليه ثم عادت أدراجها في الطريق التي يعرف أولها، طريق السعادة. وعندما التفتت السيدة (ماري) إلى الوراء واصطدمت بالدركي الذي كان يسير خلفها في الطريق، فابتسمت له، واعتذرت منه، ووجدت فيه رجلاً قوي الجسم، عليه مسحة من جمال الخشونة، وفي خشونة بعض الرجال جمال.
قهقهة الدركي في نفسه، وقد سمعته يفكر قائلاً: إن الدركي يأمل ويثق بمئات النساء غيرها. فالدركي يولد دركياً، ولا يموت إلا دركياً. فلماذا يفتش عن غير ما خلق له. ويسعى في طريق السعادة التي يعرف أولها. وهاهي السيدة (ماري) زوج كاتب العدل، تعجب بي، تعجب بالدركي وباللباس الحربي، ولا ريب ان اللباس الحربي يشوق كثيراً من النساء، ولولا ذلك لما التفتت إلى الوراء، وابتسمت لي، واقتربت مني.
انتهى تفكير الدركي الغربي السخيف بما يماثل تفكير جميع زملائه في الشرق، وحسب أن اللباس العسكري وحده يشوف الفؤاد، ويخلق العاطفة والإعجاب، وعاد إلى القرية والأمل