لنفرض الآن أننا انتقينا لمدارس المعلمين أصلح المدرسين وقبلنا فيها أحسن التلاميذ تفكيراً وخلقاً وجسماً فما هي الطرق والوسائل التي يجب الأخذ بها في هذه المدارس لتخريج معلمين قادرين على أن يجعلوا من تلاميذهم مواطنين صالحين. تنحصر هذه الوسائل عندنا في ثلاثة أمور:(١) - الإعداد العلمي (٢) - الإعداد الاجتماعي (٣) - الإعداد العملي.
(١) - الإعداد العلمي
إن مهنة التعليم لا تطلب من المعلم أن يكون عالماً بمبادئ التربية وأصول التدريس فحسب بل تشترط عليه أيضاً أن يكون محيطاً بالمواد العلمية التي يريد تدريسها. ومن الخطأ أن نعلم طلاب مدارس المعلمين كيف يعلمون من غير أن نعلمهم ماذا يعلمون.
لذلك يجب أن تشتمل المناهج في مدارس المعلمين على جميع المواد العلمية التي تتمم ثقافة المعلم وتنمي في الوقت نفسه ملكاته الفكرية.
ولا يتسع لنا المجال هنا للبحث في الطريقة التي يجب على أساتذة مدارس المعلمين أن يسلكوها في تدريس كل مادة من المواد العلمية. فأن لكل علم من هذه العلوم طريقته الخاصة. إلا إن هناك ملاحظة عامة تنطبق على جميع المواد العلمية وهي أن التعليم في مدارس المعلمين يجب أن يحقق غرضين أساسين الأول ثقافي والآخر مسلكي.
أما الغرض الثقافي فيوصل إليه بانتهاء الطريقة التي توقظ الفكر من نومه وتنمي ملكات العقل وتحبب العمل الشخصي إلى الطالب حتى يتعود الكشف عن الحقائق بنفسه. والطريقة الفعالة هذه تصلح للعمل الفردي كما تصلح للعمل المشترك بين أفراد كل فرقة من فرق الصف. وفي وسع الأساتذة أن يأخذوا بها من غير أن يؤدي ذلك إلى أي تعب أو تعقيد أو تأخير. وهي تناسب الاستقراء والاستنتاج معاً وتعتمد على الحدس الفكري كما تعتمد على الحدس الحسي وتحبب الدرس إلى التلاميذ حتى لقد قيل أنها طلسم ينقذ التلاميذ من الملل ويعين المعلم على تقدير مواهبهم ويولد فيهم روح الانتقاد ويعودهم التأمل الشخصي والتفكير الحر والإبداع. فإذا خرجوا من مدارس المعلمين نقلوا إلى تلاميذهم هذه العادات الفكرية وأبعدوهم عن التقليد الأعمى. وأعدوهم لحياة اجتماعية ديموقراطية يتمتع كل فرد من أفرادها بحريته الشخصية. أما التعليم التلقيني فينصب ينابيع الفكر ويقلب أفراد المجتمع إلى عبيد يخضعون لما يفرض عليهم من غير أن يفكروا فيه. وأما الغرض