ويزحفون على جليده، والنهر والبحيرة يمتعون بها الطرف ويروضون الجسم. حسبهم الموسيقا تمتزج بأرواحهم وتحرك نفوسهم وتجري على ألسنتهم إنك لتؤخذ بهذه اللغة الفريدة التي يتكلمون بها وكأنهم يغنون.
أمة لم تبل بحمى العمل في أغوار المناجم وغياهب المعامل، هي غنية بالراحة والنوم والمتعة، فلا مجال هنا للصخب والضجيج والعجلة وإنهاك العقل وتبديد القوي.
هذه بحيرة (ليمان) أتأملها من نافذتي أو أساير ضفافها ساعات طويلة من الليل حالما مشدوها، وبيني وبينها أبدا حديث صامت بليغ: الجبال الشم ترقد في أفقها القريب تحت دثار من غمام الليل، والرياض والخمائل تحف بجوانبها وقد أبدت زينتها لإغواء الرواد، والأنوار المتلألئة الوهاجة تنعكس على صفحة المياه الهادئة الرقراقة فيخيل إليك أن الماء يشف ويشف حتى يتحول إلى ضياء، وزمر الناس على المقاعد وبين الشجر والزهر يستجمون من حياة النهار كهذه المراكب البيض المتكئة إلى الشطان، وهذا البناء الضخم الرابض على الرابية الخضراء ينتظر الصباح ليستقبل زبائنه من وفود الدول وأقطاب السياسة العالمية، وما هؤلاء في نظر كان (جنيف) إلا ضيوف أغنياء أغبياء يأتون لينفقوا مالهم ويتعبوا لسانهم. .
هنا وهناك
إنني لا استكمل الوصف وأتم اللوحة إلا إذا عمدت للمقارنة والمقايسة، فهنا شعب ربي على حب الجمال وجمال الحب ولقن عذوبة الفن وفن العذوبة، فثقف بثقافة الزهر والنهر ودرب على الريشة واللحن، وحمل على رياضة الجسم والفكر.
هنا الطفل الناشئ يفرد ويعزف ويصور ويقفز ويحفظ من أسماء المصورين وأنغام الموسيقيين أكثر مما يخزن من أسماء البلدان ووقائع التاريخ ودساتير الحكمة ورموز الكيمياء!
وهنالك في سورية. . أنت تعرف ما هنالك. .
وليس في هذا البلد تباعد وتنافر بين معسكر المرأة ومعسكر الرجل بل تقوم الحياة كلها على ما بينهما من تساند وتشارك وتفاهم. وما مبعث الدماثة في الطبع والاستقامة في الخلق والرقة في الحديث والتهذيب في اللسان إلا هذا التمازج المنسجم القديم.