للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن مرض السن. . . هو علة ما بها وليس لهذا المرض من دواء. . .

وأنت يا صاحبي قد بدأ يدركك هذا الداء. . . وأنت فوق هذا قد أصبت بداء آخر أشد فتكاً وأبلغ أثراً وهو داء التعليم. . . تلك (المهنة المقدسة) يا صاحبي، يعرف أصحابها بسيماهم فهي تطبعهم بطابعها الخاص: تلزمهم السكينة وتفقدهم البهجة، وتحرمهم الطلاقة والبشر وتفرض عليهم لجفوة والعبوس، إنها تخلع عليهم لباس التزمت وحلة الوقار وقناع الجلد.

لقد صدق صاحبي: شتان بين العودة والبدء!

إن ماءاً كثيراً قد جرى في (السين) منذ عهدي الأول به.

طبيعة وفن

هذه سويسرا متحف لفتنة الطبيعة: الجبال الخضر ذات الرأس الأشيب تحتضن البحيرات الحالمة ذات الرداء الأزرق، وكأني بها ترمز للحب الأبدي الذي لا يفتر ولا يبلى. والزهر العبق يملأ الربى والرياض وكأنه يبارك هذا الحب ويمده بالنشوة والدفء، إنه البخور في مجامر المعابد.

هذه طبيعة أرستقراطية امتلكت من كل شيء أحسنه وجمعت من كل لون أبهاه، جمال وجلال تخشع لهما النفس وتنعم العين ويخفق القلب.

هذه بلاد ترقص السعادة في كل شعاع من أشعة شمسها ويستظل الحب تحت كل غصن من أفنانها، إنها توحي إليك المحبة وتنتزع البغضاء، تهبك الغبطة وتمحو اليأس، تمنحك اللم وتسلبك التفكير فأنت فيها مستيقظ نائم، صاح ونشوان. . .

وهذا شعب حبته الطبيعة خير ما عندها وحباها ما عنده، فقد استجاب لها وأحبها وأتم نقصها وأبرز فتنها وأظهر سحرها. وإذا تزاوج الفن والطبيعة والتأما على انسجام رأيت عجباً.

لقد من الله على هذه البلد بالعافية من السياسة. . . فهي لا تشغل حيزا من تفكيرهم ولا نصيب لها في أحاديثهم، وهي تحتل في صحفهم المكان الذي تحتله الموضوعات الثقافية في صحفنا. . .

وما للقوم والسياسة! حسبهم الطبيعة يتذوقون جمالها ويلهجون بآلائها ويتسامرون بمتعتها وروائها، حسبهم الزهر يتنشقون عبيره ويزينون صدورهم بألوانه والجبل يتسلقون ذراه

<<  <  ج: ص:  >  >>