أهم أحياناً أن أعتقد بأن (التاريخ) مصدر شقاء البشر!
والسفينة بعد مدرسة تعلمك الإيمان، فإذا ما عصف الريح بها وجف قلبك وخشعت نفسك وآبت برغمك إلى بارئها ترجو عونه ورحمته.
إن الإيمان يرافق الضعف ويصدر عن العجز، والضعف والعجز حالة طبيعية لكل من ركب من لحم ودم.
والمؤمن يجد في السفينة رمزاً لهذا العالم الفاني فهي ممر لدار مقر ووسيلة مؤقتة لغاية باقية، هي الطريق إلى الرجاء والخوف والسبيل إلى عالم جديد لا تعرف ما يرتقبك فيه.
وإني لأجد في السفينة مثالاً مجسماً لبعض من يمشي على رجلين. . . هم يثورون ويغضبون ويهدؤون ويرضون، ولست تدري متى تغضبون ولماذا يسخطون، ثم كيف يهدؤون وبم يرضون! إنه الهوى يلعب بأفئدتهم كما يلعب بالسفينة الهواء. . .
عود على بدء
قلت لصاحبي: هذه باريس بمغانيها وغوانيها وفتنة رياضها ومبانيها، أكاد لا أطيق البقاء فيها ساعة واحدة.
أممتها وفي النفس حرارة التلهف وفي الجنان خفقة ما قبل اللقاء، لقد كنت آمل أن أعاود فيها ما سلف وأصل حبل ما انصرم! وكان الخيال المبدع يضفي على الماضي البعيد بهجة مشعة وروعة أخاذة. لقد زرت يا صاحبي كل ربع منها كان ترك فيّ نشوة أو خلف ذكرى أو أتاح متعة، فماذا لقيت؟ لقيت برودة تجمد لها النفس فما أشعر بخالجة ولا أحس برعشة، ووجدتني أفر مما كنت إليه أهفو وأتجافى ما كنت إليه أتوق.
قال صاحبي: لست أجد في هذا الذي تذكر موضعاً للدهشة، فمباهج باريس ومفاتنها باقية على العهد لم تبل ولم تتبدل، وإذا كان هناك تحول ما هو في نفسك وذوقك ولون حياتك وطراز تفكيرك. إن المنظر هو هو ولكن المنظار لم يعد كما كان. . .
لقد كان لك آنذاك ثروة من طراوة العمر ونضارة القلب ويقظة الفكر وحرارة الشعور، وكان بينك وبين بيئة هذا البلد تجاوب وانسجام فأين أنت الآن من كل ذلك؟
ألا تزال تذكر ما قصه (لابرويير) في كتاب (السجايا) عن (أيرين) التي جاءت إليه الطب (اسكولاب) تستشيره ي آلامها؟ لقد عرفها (أسكولاب) بحقيقة مرة كانت تتجاهلها. قال لها