وقد اقتضى حل ألغاز النصوص الأولى والتوصل إلى قراءة ما تحويه كثيراً من الجهود لأن إشارتها لم تكن معروفة قبل اكتشافات رأس شمرة. فانكب على دراستها علماء عديدون منهم (هانس بوير) و (ادوار دورم) و (شارل فيروللو) وبعد دراسات طويلة تبين أنها مكتوبة بلغة آكادية ذات ثلاثين إشارة استخدمها الفينيقيون منذ الزمن الذي كانوا فيه مقيمين في أراضي كنعان الجنوبية قبل انتقالهم إلى شواطئ لبنان حتى القرن الثالث عشر. وهذه الكتابة أبسط من الكتابات التي كان يستعملها شعوب العالم القديم بما فيهم من مصريين وسومريين وساميين وحيثيين الذي لم يتوصلوا إلى تسهيل خطوطهم الحاوية على إشارات تصويرية وصوتية بآن واحد ويعود الفضل، كما هو معروف، إلى الفينيقيين بإيجاد خط عملي يسجل فقط الأصوات المستعملة في الكلام بواسطة إشارات يمكن رسمها بسهولة والتواضع على شكلها الاتفاقي. وخط رأس شمرة يبين لنا مرحلة من المراحل التي قطعتها الألفباء الصوتية حتى تأسست وهو محاولة لتبسيط الكتابة المسمارية وجعلها صوتية تخط بواسطتها كلمات وجمل اللغة الفينيقية.
والمعلومات التي أدلت لنا بها هذه النصوص على كبير من الأهمية. فقد كانت معرفتنا بالأدب الفينيقي الديني ضئيلة قبل اكتشافها. ولم يكن بأيدي الباحثين إلا نصوص قصيرة وبعض الكلمات الجنازية التي عثر عليها في صيدا وقرطاجة. وأخبار التوراة وبعض الكتابات الإغريقية اللاتينية التي تشرح المفاهيم الدينية الفينيقية بصورة مجردة ومصطنعة. ويحوي قسم من نصوص رأس شمرة على تعاليم دينية وبعض المراسلات وقوائم الأشياء المتعلقة بالعبادات. ويحوي قسم آخر منها على قصائد تسرد الأساطير الفينيقية التي نشأت قبل القرن الرابع عشر.
ويتبين من دراسة هذه القصائد كثير من عقائد الفينيقيين الدينية. فالإله (إيل) هو أبو السنوات وملك الطبيعة وسيد الآلهة وحكيمهم وقاضيهم ولا يحدث شيء في العالم إلا بأمره. وهو يملي إرادته على بقية الأرباب ويلهم مشيئة الأبطال بواسطة الأحلام، وله ابن هو الإله (بعل) الذي يعبد في كل المدن لأنه سيد السماء وإله العواصف والزوابغ، ويكفي أن يهز الصاعقة حتى تهطل الأمطار، وهو يعيش في ذرى الجبال ويمتطي السحاب. وولده الإله (ايلايين) يمثل المياه التي تجري تحت الأرض وتنبت النبات، وهناك آلهة أخرى