شعورهن أو أن يشترينها بأن يبعن أنفسهن إلى بعض الرجال وأن يؤدين ثمن ذلك إلى المعبد. وتحزن الطبيعة وتشارك الناس في ألمهم فتخضب مياه نهر أدونيس بلون النجيع (وهو لون الطين الأحمر الذي تحمله أمطار الربيع) وتتلون الأزهار بلون دمه. وفي اليوم الثالث من هذا المأتم يعلن الكهان على المتعبدين أدونيس انبعث من مثواه.
وقد بلغنا كل هذا من نصوص وأوابد يرجع عهدها إلى ما قبل الميلاد بقليل. وعندما فكت رموز نصوص رأس شمرة وجد في بعضها شكل قديم لأسطورة أدونيس يتلخص في وجود آلهين: الأول (ايلايين) وهو روح المياه الذي يسود في الفصل المطير ويعبيء غيومه ورياحه وأمطاره لكي يسمن الآلهة والبشر.
والثاني (موت) وهو روح النبات والحصاد، يفرض حكمه الحار بعد موت (ايلايين) فتنضج الحبوب والكروم. ثم يموت بدوره عندما تطارده الربة (عنات) فتظفر به وتقطعه إربا إربا ثم تلقي بفتات لحمه إلى الحقول فتعيد إليها بذلك روح النباتات التي أفناها الحصاد. ولكي يتم ذلك يجب على المتعبدين أن ينشدوا نشيداً خاصا وأن يلقوا تماثيله وبعض النباتات الخاصة التي تمثله في البحر فتزداد الغيوم وتنعقد أمطاراً. وعندها تسعى الربة (ساباس) وهي الشمس إلى ارتياد كل الينابيع للبحث عن (ايلايين) الذي يكون مختبئاً في بطن الأرض ولا حلاله محل (موت).
* * *
والخلاصة إن للوحات رأس شمرة أهمية أثرية وتاريخية عظيمة. وتضارع في سعة المعلومات التي قدمتها للعلم عن معتقدات الساميين الأولى وآراء الكنعانيين الدينية وعلاقاتها بمعتقدات بني إسرائيل الأولين، الوثائق التاريخية الثمينة التي وجدت في آخر القرن الماضي وأول القرن الحاضر في (تل العمرنة) و (بوغاز كوي) والتي غيرت كثيراً من معارفنا عن تنظيمات أمم الشرق القديم الاجتماعية والسياسية. وليس يستغرب إذا توبعت حفريات رأس شمرة أن تظهر نصوص أخرى تطلع علينا بأدب فينيقي غزير تزيد في ما نعرفه عن أول البلاد التي توصلت إلى اختراع الكتابة الصوتية فقدمت بذلك أثمن خدمة إلى البشرية.