للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا كانت عبقرية الإسلام حين وجه العرب إلى الحياة، إنه فتح أعينهم على الواقع ودعاهم أن ينظروا في كل ما حولهم نظرة قائمة على التدبر والتفكر. . إنه دلهم على آفاق النفس وآفاق العالم، واتجه بهم في هاتين الناحيتين التي تملآن على الإنسان دربه منذ أوجده الله على ظهر الأرض. إنه لم يعلق أبصارهم في السماء ولم ينكس هذه الأبصار إلى الأرض. . لم يعودهم إطراقة الخضوع إلى الأرض، ولا تطلع الحبيس إلى السماء. ولكنه مزج بين التأمل في الأعماق والتأمل في الآفاق. . وأخذ بيدهم إلى محاربة الطبيعة ولا للخضوع الأعمى لها بل إلى التجارب معها وتسخيرها، لا إلى الالتجاء السلبي إليها بل إلى التزود الإيجابي منها.

فإذا كان للشرق العربي اليوم من سبيل إلى أن يصحح نظرته إلى الحياة فهو سيجد في عبقرية النظرة الإسلامية ومرونتها كثيراً من الخير. . . ولن ينفعه أن يعمى عنها أو يتجاهلها لا لأنه حين ذاك يعمى عن الحق فقط، بل لأنه يعمى عن ثروة كبرى في تاريخ الإنسانية وفي مستقبلها أيضاً، ومن أعجب العجب أنها هي ثروته التي يضل الطريق إليها.

* * *

والأساتذة المعلمون ينهضون بأكبر العبء في هذه المرحلة من مراحل التاريخ العربي. . . إنهم لا يعلمون القراءة والكتابة فذلك أهون الأمور. . . ولكنهم يحاولون أن يخلقوا جيلاً صحيح النظرة إلى الحياة. . . وأحسب إنهم مضطرون حتماً أن لا يلتمسوا هذه النظرة بعيداً: إنها قريبة منهم.

وحين تستوي لنا هذه النظرة الأصلية في جيل جديد فسيكون من السهل السير أن تلتقي في الفروع وقد يكون من الخير الكثير أن نختلف فيها. أعني أن يصدر هذا الجيل عن نبعة واحدة وأن ينسرح منها بعد في كل قبلة.

القاهرة // شكري الفيصل

<<  <  ج: ص:  >  >>