للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غفلة الوعي. . .

ماذا؟ هل ترى عيناي؟ ماذا رأيت؟ سريران متجاوران تشعث نظامهما، فالمخدة مطروحة، واللحاف مجتمع، والشرشف مقلوب، وكل شيء في السريرين يدل على أن الذي استلقى عليهما أو نام فيهما لم يكن إنسانا في بعض اللحظات، وإنما كان شيطانا اضطرب وجاهد في سبيل جسده. . . جهاداً طويلاً عنيفاً. وفي الغرفة هنا وهناك، ثياب رجل، وصورة له أو لغيره معلقة على الجدار، وزجاجات فارغة وأشياء أخرى مريبة جعلتني التفت إلى صاحبتي فإذا هي حيرى جاحظة العينين مشدوهة الوجه. . .

ورأيت أن ألملم الموقف، فأبديت إعجابي في الغرفة المذخورة بالذكريات. . . المنسقة كأحسن ما تنسق الغرف. . . وكادت صاحبتي لاضطرابها أن تشكر وتجيب لولا أننا خرجنا ثلاثتنا إلى البهو نحيي فيه ما جمد من حياة المائدة، ونصل ما انقطع من حكاية اللذة.

وقمت بعد قليل إلى الحاكي فأدرت عليه أسطوانة (لامانتو جينانو) يغنيها جوي لوس مع فرقته الموسيقية. لشد ما طربت صاحبتي لهذه الأغنية التصويرية الرائعة، حتى لقد كانت الآهات تنطلق من حنجرتها صاخبة مدوية، وحتى لقد نهضت من فورها تريد أن ترقص على إيقاعها. وطلبت إلي أن أكون شريكها في الرقص، فأعلنت لها جهلي بهذا الفن، واعتذرت فرفضت، ثم ترددت فألحت، ثم قبلت ففرحت. ورأيتني على جهلي أحتضنها، ويدي خلفها، وصدري إلى صدرها، وفمي إلى وجهها. ونظرت فإذا جورج يطوق هو الآخر. . . كرسيا كان يجلس عليه منذ هنيهة!

وجلت مع صاحبتي السكرى بضع جولات أحسست معها أن دنيانا التي في البهو، بطاولتها وجدرانها وكهربائها، تدور كلها معنا تشاركنا في اللذة والمرح واللهو.

ويأبى جهلي بالرقص إلا أن يدل على نفسه، لأني كلما خطوت خطوة ارتطمت بقدمي مع قدميها. وما استشرفت الأغنية الجميلة على النهاية حتى تراخت يداي عن صاحبتي، وتباعد صدرانا. ثم تذكرت السريرين في غرفتها فعدت معها إلى مكاني على نجوى خافية وأمل يشيع. . .

محمد روحي فيصل

<<  <  ج: ص:  >  >>