ونحن لنا الدار كلها، والخلوة تامة عميقة، ولا عذول ولا رقيب. وهذه نرجيلتي قدامي، والدخان من فوقها أعمدة وحلقات، وصاحبتي العجيبة المغلقة قد انبسطت أساريرها، واحمرت عيناها، وأشرق خداها، ومشى لسانها، وعلا ضحكها، ثم كثر دوران يديها بين الصحون، كما كثر دوران رأسها من العرق. أفتراها، وهي في تلك النشوة، تعي ما تعمل على الضبط، وتعرف أين هي من نفسها ومني ومن الوجود؟
وناولتها سيجارة، فما أسرع ما التهمتها، حتى لكأن نارا في عروقها تحاول أن تطفئها بالدخان فما تستطيع، وكأن الجيشان الملتهب قد جاوز مقدور طاقتها فطلبت سيجارة أخرى. ونظرت فإذا الليل يتساقط على الأشياء والأحياء رويداً رويداً فقمت إلى الكهرباء فأضأتها. وسطع بسطوعها الأنس، وتجددت اللذة، وأترعت الكؤوس، كأنما بدأ الاجتماع من أوله. هنالك شرعت صاحبتي في شيء من الغناء الذي يطربها ولا يكاد يصل إلى آذاننا، ولكنها توقفت فجأة إذ مر على بالها خاطر، فقانت إلى غرفتها التي ما رأيتها قط إلا محكمة الإغلاق، ففتحتها على عجل وعادت منها بصندوق أسود ما كادت أناملها تديره حتى شرع هو في غناء مطرب جميل.
ولاحظت من ذهابها وإيابها أنها كانت لا تجري على خط مستقيم، وأنها كانت تتعتع في مشيتها، فعرفت أن السكر لوى رأسها وعقد رجليها. وما جلست على كرسيها حتى أخذت تستجيب لغناء الحاكي بغناء من عندها مردد في صوت بسيط. والغناء إذا التقى في الرأس مع العرق يزيد في السكر حتى يصرع. لقد بدا عليها شيء من الثقل والإعياء، فتداخل كلامها، واختلطت نظراتها. وفيما هي تغني وتشرب وتأكل وتدخن، رأيتها تلتفت بسرعة إلى وراء فتلمح، في بطء باب الغرفة مفتوحا على مصراعيه، وهي التي حرصت زماناً طويلاً على أن يبقى موصداً. . .
كيف السبيل إلى إغلاقه؟ لن تستطيع هي أن تصنع شيئا من ذلك إلا إذا وجدت معينا تتكئ عليه، فكنت هذا المعين، كما كان جورج ذلك الرقيب. . . وفي نفسي ونفسه معان مشتركة. . . ومشيت معها، ولحق بنا صاحبنا، حتى إذا كنا ثلاثتنا على الباب المفتوح، رأيتني أدخل الغرفة واسحبها إلى جوفها، فأمسكت وترددت وكادت أن ترفض لولا أني أنرت الكهرباء فتطامنت وأذعنت، بعد أن وجدت حرصها على الكتمان قد طار كله في