يقضي في أمور الناس باسم العدل والقسيس باسم الرحمة التي هي أسمى وأرفع، كان على الصاعقة أن لا تخطئ المرمى، ثم ثبت نظره على الثوري وقال بلهجة المقتنع: ولويس السابع عشر؟ أجابه الثوري على الفور: لننظر ملياً في هذه القضية، فمن تبكي أنت؟ أتبكي الطفل البريء؟ إذاً أبكيه معك، أتبكي ابن الملك؟ فإن هذا الأمر يحتاج إلى تفكير.
لا فرق عندي بين كارتوش الصغير الذي أعدم شنقاً بعد التمثيل والتشنيع في ساحة كرييف لكون كارتوش الثوري أخوه، وبين حفيد لويس الخامس عشر، وهو أيضاً طفل بريء، وما أجري فيه من تعذيب في برج التنبل لكونه حفيد لويس الخامس عشر. فقال الأسقف: لا أحب تقرب الأسماء هذا فأجاب الشيخ: كارتوش؟ لويس السابع عشر؟ لمن تتحيز؟ ثم صمت للحظة قال بعدها بحزن: آه يا سيدي الأسقف أنت لا تحب الحق مع أن يسوع كان يحبه إذ لم يفرق يوماً بين طفل وطفل، إن براءة الطفولة في غنى عن الجلالة والفخامة فهي تحمل تاجها في ذاتها لأنها جليلة مزرية كانت أم مرصعة، فتمتم الأسقف: هذا صحيح غير أن الثوري استمر في متابعة كلامه قائلاً: أنا مصر على أن نتفق! فأنا لا أخالفك إن نحن بكينا جميع الأبرياء والشهداء سواء كانوا متحدرين من الأعالي أم منبعثين من القادة، أنا أبكي معك أبناء الملوك على أن تبكي معي أبناء الشعب، وإذا كان لا بد من رجحان كفة الميزان إلى ناحية دون ناحية، فليكن هذا من ناحية الشعب فإن عهده بالآلام جد بعيد. قال الأسقف وقد أدرك أن جميع حججه إلى انهيار يجرب سهمه الأخير:
إن هذه الساعة هي ساعة الله، أفلا ترى معي أنه من المؤسف أن نكون قد اجتمعنا على ير جدوى؟ فتح رجل الثورة عينيه، فبدا وجهه وقد ارتسمت عليه تباشير الموت، محاطاً بهالة من الجلال والوقار وقال:
يا سيدي الأسقف! لقد قضيت حياتي في التأمل والدرس والنضال وكنت قد ناهزت الستين من عمري عندما لبيت داعي الوطن وانضممت إلى صفوف العاملين فيه. كان هناك طغيان فعملت على دك حصونه. وكانت فوضى فساهمت في محاربتها وكانت هناك حقوق مغبونة فطالبت بها. صحيح أنني مزقت ستائر المذبح لكن لأضمد بها جراحات الوطن، لقد قمت بواجبي قدر استطاعتي حتى أعدائي حافظت عليهم فقد أنقذت في الفلاندر ديراً في ثورة ال٩٣. لكن ما أصابني بعد ذلك إلا الملاحقة والطرد واللعنة. فأنا أعلم منذ سنين، منذ