بإعدام الملك فتجاهل الثوري ما تنطوي عليه كلمة على الأقل هذه من معنى لاذع وأجابه بلهجة الجد والحزم وقد غابت البسمة عن وجهه: لا تهنئني فإن أنا أيدت شيئاً أو صوتت لشيء فلنهاية الطاغية.
ماذا تعني بهذا القول؟ أعني به أن في إنسان طاغية يدعى جهلاً، وقد ناديت بسحق هذه الطاغية لأن السلطة بشكلها الباطل ليست هي إلا وليدة الملكية المنبعثة منه، بينما السلطة يشكلها الحق تسمى عاماً، لا يجب أن يحكم الإنسان إلا العلم فعقب الأسقف والضمير أيضاً. لا خلاف في ذلك لأن الضمير ما هو إلا العلم الفطري الكامن فينا، والذي يتخذ الاتجاهات التي يوجه إليها. أخذ الأسقف يصغي إلى حديث رجل الثورة باهتمام مبعثه الدهشة، فإن لغة هذا الحديث كانت غريبة عليه وجديدة أيضاً على أن الشيخ استمر في كلامه يقول: فإن أنا ناديت بسحق الطاغية وإن أنا ثرت على النظام القائم على الظلم والطغيان، وإن أنا ناديت بتحطيم أصنام محنطة يرغم الشعب على عبادتها ولو هي تستحقه، فمعنى ذلك أنني ناديت تحرير الرجل من العبودية وإنقاذ المرأة من التدهور والبغاء والطفل من التشرد معنى ذلك أنني ناديت بالاتحاد والحرية والإخاء، وساهمت في تركيز قواعد العهد الجديد، معنى ذلك أنني قمت مع من قام على تحطيم ما كان يسود حياتنا من فساد الأوهام والعقائد، لقد حطمنا العالم القديم، بؤرة البؤس والظلم والأثرة لنشيد على أنقاضه عالماً سوف نبزغ من آفاقه أشعة فجر جديد، فعلق الأسقف: لقد حطمتم، وحطمتم! وقد يصدر عن التحطيم فائدة ما، لكي أتحدى كل تحطيم يداخله الغضب والعنف فأجابه الشيخ بحدة: ولكن للحق غضبته يا سيدي الأسقف، وليست غضبة الحق إلا عنصر هام من عناصر التطور، ومهما اختلف رأي الناس في الثورة الفرنسية فإنها أعظم وأجرأ خطوة خطتها الإنسانية منذ فجر التاريخ، صحيح أن هذه الثورة قد حطمت وهدمت وأراقت دماء لكنها أنارت وأطلقت جميع الإمكانيات الاجتماعية المغمورة. الإنسانية يا سيدي قد قدست الثورة الفرنسية.
فغمغم الأسقف: و٩٣ فانتصب الثوري بجلال مؤثر فوق كرسيه وصاح على قد ما يستطيع محتضر أن يصيح: ٩٣ كنت أرتقب ذكر هذه الكلمة منك وقد ذكرتها ليست ثورة ال ٩٣ إلا انفجار السحب التي تراكمت طبقاتها فوق بعضها البعض خلال خمسة عشر قرناً من الزمن. شعر الأسقف كأن رعشة تنتابه فتهتز لها أركانه، غير أنه تماسك وأجاب: القاضي