بين عهد كانت تسوده شعارات باللغة الرجعية شعارات المحافظة على المرأة ضمن جدران البيت، وإبقائها جاهلة متأخرة، منعزلة عن العالم تنفق العمر كله بأتفه الأمور وأسخفها، إلى عهد تعاونت فيه أحوال اقتصادية اجتماعية داخلية وخارجية، على تخفيف حدة تلك الشعارات والحماس لها، وإحلال ما هو أحسن محلها مما أدى إلى تطوير وضع المرأة شيئاً فشيئاً، والخروج بها من واقعها الضيق القديم إلى أفق أوسع وأرحب وأهم، هو أفق المجتمع الآخذ بالتعلم وأسبابه، فكشف لها عن عوالم جديدة، أدركت منذ ممارسة الحياة فيها لأول مرة أنها تستطيع أن تكون إنسان آخر، غير ذلك الذي يعيش ضمن حلقة متكررة مفرغة، إنساناً يستطيع أن يقدم لمجتمعه خدمة وأن تكون حياته في بيته ولأهله ولشخصه، أفيد وأجدى، كل ذلك إذا استطاعت أن تبدد شيئاً من ظلمات الجهل المحيطة بها، وأن تخرج إلى عالم نير يشرق في أرجائه العلم.
وكان إن سلكت المرأة طريقها نحو العلم، ولما بهرت عينيها الساذجتين أضواءه الساطعة الحلوة، لم تشأ، بل لم تستطع أن تحول عينيها عن سحره الأخاذ فبقيت هناك تطلب المزيد. وأخذت تيسر السبل لبنات جنسها الناشئات للارتشاف من مناهله العذبة، فكان هذا الجمهور العامل النشيط جمهور المعلمات تلك الفئة التي تؤدي لوطنها أجل الخدمات.
هذا إلى جانب أمر من الأهمية بمكان لعله المكان الأول هو شعور المرأة المتعلمة بضرورة استقلالها الاقتصادي كإنسان مكتمل النضج وعزيز الشخصية، هذا الشعور الكريم الذي كان سلماً للمرأة ما تزال ترتقي درجاته إلى مكانها العزيز مكان الإنسان الحر المستقل، الإنسان الذي يأبى أن يكون عالة. . . ومن ثم أن يكون أشبه شيء بالبضاعة التي يخشى عليها الكساد! فيعمل على (تصريفها) بشكل فيه الكثير من المساس بالشخصية، بل بكرامة الإنسان!
كانت مهنة (نشر العلم) أول المهن وأوسعها في فتح أبواب الاستقلال الاقتصادي أمام المرأة، وقد صادفت هذه المهنة الجليلة إقبالاً ما يزال آخذاً بالتزايد يوماً بعد يوم للأسباب التي أسلفت، ولغلبة العقلية المتحررة على العقلية الجامحة المتأخرة. وذلك كنتيجة حتمية لتطور العالم الاقتصادي والاجتماعي، وتأثر مجتمعنا بتطوره ذاك.
فالتعليم إذاً أول المهن التي حررت المرأة ومن ثم أخذت في تحرير البيت وبالتالي في