للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

_ هل يخاف الإنسان بالرغم منه؟

واكتسحته موجة من الشك والقلق والرعب. فلو أن قوة أقوى من الإرادة تسلطت عليه، قوة كاسحة لا يمكن مقاومتها أو الوقوف في وجهها، فماذا يحصل؟ أجل، ماذا يحصل؟. . سوف يذهب إلى مكان المبارزة حتما، ما دام يريد الذهاب ولكن إذا فقد وعيه هناك؟! وأخذ يفكر في حالته عندئذ، وفي سمعته، وفي شهرته.

وتملكته رغبة غريبة مفاجئة، في أن يذهب إلى المرآة لينظر فيها إلى نفسه. وأضاء شمعته، ونظر في المرآة. ولكنه لم يعرف نفسه بصعوبة من الصورة التي عكستها له صفحة المرآة. وخيل إليه أنه لم يكن قد رأى نفسه قط. رأى عينين ضخمتين وارمتين، ووجه أصفر. بالتأكيد كان أصفر الوجه، صفرة فاقعة. . .

بقي واقفا أمام المرآة. ومد لسانه كأنه يريد أن يعرف منه حالته الصحية. . وفجأة لمعت في رأسه فكرة كما تلمع الرصاصة عند خروجها من فوهة المسدس:

_ بعد غد، وفي مثل هذه الساعة، من الممكن أن أصبح في عداد الأموات. هذا الإنسان الواقف أمامي، هذا الأنا الذي أراه في هذه المرآة سوف لا يكون حيا أبدا. كيف! ها أنا ذا إني أنظر إلى نفسي، إنني أشعر بنفسي إنني حي ولكن بعد أربع وعشرين ساعة سأكون ممددا فوق هذا السرير، ميتا، مغمض العينين، باردا، لا حراك بي، سأكون قد اختفيت من عالم الوجود.

أدار وجهه نحو السرير، فتراءى له أنه يرى نفسه، بكل وضوح، مستلقيا على ظهره، في نفس الأغطية التي تركها منذ لحظة، بوجه أجوف كوجوه الموتى ويدين رخوتين، لا تتحركان أبدا.

فاستولى عليه خوف شديد من سريرته، وغادر غرفة نومه إلى غرفة التدخين حتى لا يعود يراه. وتناول سيكارا فأشعله وأخذ يسير. شعر ببرد شديد يكتسح جسمه فذهب إلى الجرس ليقرعه ويوقظ خادمه، ولكنه توقف بعد أن امتدت يده إلى حبل الجرس:

_ سيلحظ الخادم أني خائف.

فلم يقرع الجرس، وأشعل المدفأة بنفسه. وشعر بأن يديه كانتا ترتجفان ارتجافا عصبيا، كلما كانتا تلمسان شيئا. وأحس برأسه كأنه يدور، وأصبحت أفكاره المضطربة سريعة

<<  <  ج: ص:  >  >>