وكانت إذ ذاك تظهر كالسنجاب بعينيها المشعتين يتطاير الشرر منهما وبأنفها المغطى ببقع الكلف فأضمرت لها إعجابا لا حد له. كان والدها حذاء واذكر أنني كنت أميزها من ألف فتاة بحذائها المخملي الأحمر وكانت الأولى في الصف. وقد سمتني على سبيل المزاح والتفكه (بيك بيك) _. كانت تحتقرني ولكنها في الوقت نفسه تحبني نوعاً ما إذ أنني كنت بين يديها كما تشاء ألبي طلباتها وانصاع لأوامرها فإذا قالت لي:
_ أيها الشيطان انك لن تحسن لعبة (الدومينو) في يوم من الأيام، كنت اشعر وكأن قلبي في قبضة جبار. وإذا ما قالت أيضا:
_ سأقرأ عليك شيئاً من مجلة الصور الرائعة. كان قلبي يتمشى بين ضلوعي وعندها أكون أسعد غلام في القرية بل وفي الدنيا بأسرها. أما والدي_وكان أستاذا في الجامعة_وكذلك والدتي فلم تعجبهما سيسيل بحال حتى أنهما مانعا في حضورها إلى منزلها بل وكثيرا ما قالا لي إنها فتاة خطرة وإنها ليست من الصف الذي يستحسن إن يركن أليه.
وتوقف الشريد عن الكلام وهو يلهث ثم اندفع:
في الثانية عشرة من عمري دخلت المدرسة الثانوية بينما بدأت سيسيل تتعلم الخياطة وقد اتفقت معها على إن نرى بعضنا قدر المستطاع دون علم أهلي. والحق إن أول شيء أذهلني فيها آنئذ أنها تعدت دور الطفولة وأصبحت شابة دفعة واحدة. فقد غبت عنها عشرة أيام فقط وهي طفلة وعدت لأقابلها شابة وشعرت بنشوة لا توصف إذ لاحظت أنها قد تغيرت تماما عن ذي قبل فقد تلآلآت بشرتها فسحرتني كما أخذت بشعرها المنساب على كتفيها كالعسل. .
وضغط الشريد الذراع (نيومي) وكأنه يحثها على إن تستجمع أفكارها وتركز انتباهها المتابعة القصة: وتجاوبت أجراس الكنائس في لحظة واحدة فهز رأسه بيأس وقال: هل تسمعين صوت الأجراس عن بعد؟. . لقد أحننت سيسيل حتى الجنون ولكني كنت اشعر أنها تنفر مني. وقد راح الشباب يلتفون حولها فكانت تتقبل صداقتهم وهداياهم برحابة صدر. وفي الثمانية عشرة من عمري دخلي الجامعة وتانعت دراستي بحزم وثبات لأحصل على سيسيل. وفي كل مرة كنت أقابلها بها كانت تظهر أكثر نفورا وأكثر برودة بل أكثر سخرية واستهزاء.