يصدقون في التسجيل والتدوين!. . . إنهم يجمعون أفكا على إفك ومينا على مين.
يقول مارك تواين:
لست أزعم أن عادة الكذب تعاني ضعفا أو تشكو انحطاطا، فالكذب هو مبدأ خالد وفضيلة أزلية. وفي الكذب تسلية للمكروب وعزاء للعاني وملجأ أمين للبائس. إن الكذب صديق الإنسان الأول ورفيقه الأمثل.
ولا خوف على الكذب من الزوال وأنتم في الوجود، معشر المؤرخين. . وإن كنت أشكو فما أشكو سوى انحطاط فن الكذب، وأي إنسان رزق الكياسة في التفكير والصدق في العاطفة يرى الكذب السمج يروج في عصرنا هذا ولا تأخذه سورة الغضب وتثور به النخوة والمروءة؟!. أي عاقل مهذب لا يسوءه هذا الفن الرفيع أن يتبذل؟!.
وإذا عالجت أمامكم هذا الموضوع، فأنا أعالجه على تهيب واستحياء، فأنتم معشر المؤرخين سادة هذا الفن وأشياخه. . . ومثلي معكم كمثل العانس لم تلا بس الحياة تتصدى لتدريب قهرمانة عركها الدهر من نبات إسرائيل. . .
ولست، أيها السادة، ممن يستبيح لنفسه التعرض لكم بنقد، وإذا تراءى لكم شيء من ذلك في بعض حديثي، فما النقد أو المعارضة أردت، وإنما أنا واثق بأني لم أقصد سوى التعبير عني الإعجاب والإكبار.
وفي الحق، لو كان لهذا الفن - أجمل الفنون الجميلة - أنصار مخلصون مثلكم كثيرون، يشجعونه ويرعونه ويغذونه ويمارسونه ممارسة دائبة صادقة. . . لو أتيح له أندية كثيرة كناديكم هذا، لما اعتراني الجزع وغلبني الدمع. . . ولا أقول ذلك ممألاة ونفاقا، وإنما هو الحرص على تقدير الناس حق قدرهم.
أيها السادة: ليس شيء أكد من الحقيقة التالية: هنالك ظروف يتحتم فيها الكذب، وبما أنه ضرورة محتمة فهو إذن فضيلة محمودة. . . والفضيلة لا تبلغ الكذب مرتبة الكمال إذا لم تزودها ثقافة دائبة، فلا حاجة إذن للقول بأن فضيلة الكذب يجب أن يرعاها ويتعدها المعلمون في المدارس والآباء في الأسر والمفكرون في الصحف والكتب، وأي حظ لكاذب جاهل مغفل تجاه كاذب مثقف محنك؟ إن ما يعوزنا أيها السادة، هو كذب حاذق. . . بل يخيل إلي أنه خير للإنسان أن لا يكذب مطلقا من أن يكذب كذبا غير موفق، إن كذبا أخرق