خضرة ثوب العيش استعارة من خضرة النبات والنبات إذا كان أخضر كان رطبا ناعما وقوله في الخضرة يعني خضرة السيف ويحمد من السيف ما كان مشربا خضرةً كما قال الشاعر، مهند كأنما طباعه، أشربه بالهند ماءَ الهندبا، وقال البحتري، حملت حمائله القديمة بقلة، من عهد عادٍ غضةً لم تذبل، وأحمرار الموت شدته يقال موت أحمر أي شديد واصله من القتل وسيلان الدم وقال على رضى الله عنه كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم أي إذا اشتد ومنه حمارة القيظ ومدرج النمل مدبه وهو حيث درج فيه بقوائمه فاثر فيه آثارا دقيقة جعل للنصر مدرج النمل لما فيه من آثار الفرند يقول طيب العيش في السيف أي في استعماله والضرب به.
أمط عنك تشبيهي بما وكأنه ... فما أحدٌ فوقي وما أحدٌ مثلي
الإماطة الدفع والتنحية وحكى ابن جنى عن أبي الطيب أنه كان يقول في تفسير بما وكأنه أن ما سبب للتشبيه لأن القائل إذا قال لآخر بم تشبه هذا قال له المجيب كأنه الأسد أو كأنه الأرقم فجاء المتنبي بحرف التشبيه وهو كأن وبلفظ ما التي كانت سؤالا فأجيب عنها بكأن فذكر السبب والمسبب جميعا وسمعت أبا افضل العروضي يقول ما وإن لم يكن للتشبيه فإنه يقال ما هو إلا الأسد فيكون أبلغ من قولهم كأنه الأسدُ يقول المتنبي لا تقل لي ما هو إلا كذا أو كأنه كذا لنه ليس فوقي أحد ولا مثلي أحد فتشبهني به وهذا قول القاضي أبي الحسن عليّ بن عبيد العزيز حكاه من ابي الطيب فيقول ما يأتي لتحقيق التشبيه تقول ما عبد الله إلا الأسد كما قال لبيد، وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يعود رماداً بعد إذ هو ساطع، وليس ينكر أن ينسب التشبيه إلى ما إذا كان له هذا الأثر وقال ابن فورجة هذه ما التي تصحب كانما إذا قلت كأنما زيد الاسد ألا تراها صارت بكثرة الاستعمال مع كان كالمتحدة وكان الاستاذ أبو بكر يقول ما ههنا اسم بمعنى الذي ومعناه أن يقال لم يشبه بالبحر كأنه ما هو نصف الدنيا يعنون البحر لأن الدنيا برٌ وبحرٌ ويقولون كأنه ما هو سراج الدنيا يعنون الشمس والقمر كأنه ما أبصر بها وهي العين فلما كانوا يكثرون لفظ ما في المشبه به ذكره المتنبي مع كأن أيضا.
فذرني وإياه وطرفي وذابلي ... نكن واحداً يلقى الورى وأنظرن فعلي
وإياه يعني النصل والطرف الفرس الكريم والذابل ما لان واهتز من الرماح يقول دعني وهذا السيف وفرسي ورمحي حتّى نجتمع فنكون في رأي العين شخصا واحداً يلقى الورى أي نحاربهم فانظر بعد ذلك إلى ما أفعله من قتل الاعداء وإذا قلت يلقى بالياء كان من صفة النكرة ويكون بالرفع وإذا قلت بالنون قلت نلق بالجزم لأنه بدل من نكون قال ابن جنى وقد لاذ في هذا البيت بلفظ ذي الرمّة ومعناه في قوله، وليلٍ كجلبابِ العروسٍ أدرعته، بأربعةٍ والشخص في العين واحدُ، أحمُّ علافيٌّ وأبيضُ صارمٌ، وأعيس مهريٌّ وأروع ماجدُ وقال في صباه أيضا:
إلى أيِّ حينٍ أنتَ في زيِّ مُحرمِ ... وحتى مت في شقوةٍ وإلى كمِ
زي المحرم العري لأنه لا يلبس المخيط يقول إلى متى أنت عريان شقيّ بالفقر وكم معناه الاستفهام عن العدد إلى أي عدد من أعداد الزمان من السنين والشهور والأيام ويجوز أن يريد أن المرحم لا يصيب شيئاً ولا يقتل صيداً فهو يقول حتى متى أنا كالمحرم من قتل الأعداء وهو الوجه.
وإلا تمت تحت السيوف مكرما ... تمت وتقاسي الذل غير مكرمِ
هذا حث منه على الحرب وطلب العز يقول إن لم تقتل في الحرب كريماً مت غير كريم في الذل ولاهوان أي فلأن تصبر على شدة الحرب خيرٌ من أن تهرب ثم لا تنجو من الموت في الذلّ.
وثب واثقاً باللهِ وثبةَ ماجدٍ ... يرى الموت في الهيجا جنى النحلِ في الفمِ
جنى النحل ما يجتني من خلاياها من العسل يقول بادر إلى الحرب بدار شريفٍ يستحلي الموت كما يستحلي العسل.
وقال في صباه في الشامية يمدح سعيد بن عبد الله بن الحسين الكلابي
أحيي وأيسرُ ما قاسيتُ ما قتلا ... والبينُ جارَ على ضعفي وما عَدَلا
أخبر عن نفسه بالحياة مع أن أقل ما يقاسيه من شدائد الهوى قاتلٌ يقول أقل واهون ما قاسيت قاتلٌ وأنا من ذلك أحيا والفراق جار على ضعفي حين فرق بين وبين احبتي وكنت ضعيفا بمقاساة الهوى ولم يعدل حين ابتلاني ببعدهم.