للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول ما انفردت أنا بإنشاء هذا الشعر ولكن اعانني شعري على مدحك لأنه أراد مدحك كما أردته والمعنى من قول أبي تمام، تغاير الشعر فيه غذ سهرت له، حتى ظننت قوافيه ستقتتل،

وماذا الذي فيه من الحسن رونقاً ... ولكن بدا في وجهه نحوك البشر

يقول ليس ما يرى في شعري من الحسن كله رونق الألفاظ والمعاني ولكن لفرح شعري بك كأنه ضحك لما رآك فصار له رونقٌ.

وإني ولو نلت السماء لعالمٌ ... بأنك ما نلت الذي يوجب القدر

[أزالت بك الأيام عتبي كأنما ... بنوها لها ذنب وأنت لها عذر]

المصراع الأول من قول الطاءي، نوالك رد حسادي فلولا، وأصلح بين أيامي وبيني، والثاني من قوله، كثرت خطايا الدهر في وقد يرى، بنداك وهو إليَّ منها تائب، ومثله لأبي هفان، أصبح الدهر مسيئا كله، ما له إلا ابن يحيى حسنه.

وقال يمدح عليّ بن محمد بن سيار بن مكرم التميمي

ضروب الناس عشاقٌ ضروبا ... فأعذرهم أشفهم حببا

يقول أنواع الناس على اختلافهم يحبون أنواع المحبوبات على اختلافها فأحقهم بالعذر في العشق والمحبة من كان محبوبه أفضل وأشف معناه أفضل والشف الفضل.

وما سكنى سوى قتل الأعادي ... فهل من زورةٍ تشفى القلوبا

يقول فالذي أحبه أنا وأسكن إليه قتل الأعداء فهل من زيارةٍ لهذا الحبيب أي هو أمكن من ذلك فيشفى قلبي كما يشفي قلب المحب زيارته الحبيب

تظل الطير منها في حديثٍ ... ترد به الصراصر والنعيبا

الصرصرة صوت البازي والنسر جعل صياح الطيور المجتمعة على القتلى كالحديث الذي يجري بين قومس يقول هل من سبيل إلى وقعةٍ تكثر فيها القتلى فيجتمع عليها الطير فينعب الغراب ويضرصر النسر

وقد لبست دماءهم عليهم ... حداداً لم تشق لها جيوبا

الرواية الصحيحة دماءهم بالنصب والمعنى لبست هذه الطير دماء الفتلى التي عليهم أي تلطخت بها وجفت عليها فاسودت وصارت كالحداد وهي الثياب السود تلبس عند المصيبة إلا أن هذه الطير لم تشق على هؤلاء القتلى جيوبا للحداد لأنها ليست حزينة أي هنّ عليها كالحداد غير أنه حدادٌ غير مشقوق الجيب ويجوز أن يكون المعنى في شقّ الجيب أنه ليس بمخيط يشق جيبه للبس فالطير كأنها لبست حداداً غير مخيط أي لم يجعل له جيب ومن روى دماءهم رفعا أراد أن الدماء اسودت على القتلى فكأنها لبست ثوبا غير ما كانت تلبس من الحمرة.

[أدمنا طعنهم والقتل حتى ... خلطنا في عظامهم الكعوبا]

ادمنا خلطنا وجمعنا من قولهم ادمت الخبز بالإدام يقال للمتزوجين أدام الله بينهما والمعنى جعلنا القتل مقرونا الطعن إلى أن جعلنا كعوب القنا في عظامهم ويجوز أن يكون من أدامة الشيء يعني إننا لم نزل نطعنهم حتى كسرنا كعوب الرماح فيهم فاختلطت في ابدانهم بعظامهم.

[كأن خيولنا كانت قديما ... تسقى في قحوفهم الحليبا]

العرب تسقي اللبن كرام خيولهم يقول خيلنا كأنها تسقى اللبن المحلوب في اقحاف رؤس اعدائنا لإلفها بها وهو قوله:

فمرت غير نافرةٍ عليهم ... تدوس بنا الجماجم والتريبا

أي وطئت رؤوسهم وصدورهم فنحن عليها ولم تنفر عنهم

يقدمها وقد خضبت شواها ... فتًى ترمي الحروب به الحروبا

يقول يقدم هذه الخيل إلى الحروب وقد تلطخت قوائمها بالدماء فتى قد تعود الحروب لا تزال حربا تقذفه إلى حرب أخرى ومن روى خضبت بفتح الخاء كان الفعل للخيل.

[شديد الخنزوانة لا يبالي ... أصاب إذا تنمر أم أصيبا]

الخنزوانة في الأصل ذبابة تطير في أنف البعير فيشمخ لها بأنفه واستعيرت للكبر فقيل بفلان خنزوانة ومعنى تنمر صار كالنمر في الغضب والمعنى إذا غضب على اعدائه وقاتلهم لم يبال أقتلهم أم قتلوه.

[أعزمي طال هذا الليل فانظر ... أمنك الصبح يفرق أن يؤوبا]

قال ابن فورجة أراد لعظم ما عزمت عليه ولشدة الأمر الذي هممت به كان الصبح يفرق من عزمي ويخشى أن يصيبه بمكروه فهو يتأخر ولا يؤوب وقال العروضي يخاطب عزمه يقول أنظر يا عزمي هل علم الصبح بما أعزم عليه من الاقتحام فخشى أن يكون من جملة اعداءي

كأن الفجر حب مستزار ... يراعى من دجنته رقيبا

<<  <   >  >>