يقول له عسكران خيله والطير التي تطير معها للوقوع على القتلى فإذا رمى عسكرا بعسكره لم يبق إلا عظام الجماجم لأن عسكر الخيل يقتلهم وعسكر الطير يأكلهم والطير في بها يعود إلى الخيل والطير جميعا
أجلتها من كل طاغٍ ثيابه ... وموطئها من كل باغٍ ملاغمه
الملاغم ما حول الفم وهي موضع اللغام يقول أجلة خيلة ثياب كل طاغٍ من ملوك الروم ومواطىء حوافرها وجه كل باغ منهم.
فقد مل ضوء الصبح مما تغيره ... ومل سوادُ الليلِ مما تزاحمهْ
أراد ما تغير فيه فحذف الجار ووصل الهاء كقول الراجز، في ساعةٍ تحبها الطعاما، أي تحب فيها الطعام وكانوا يغيرون وقت الصبح ليتغفلوا القوم ولذلك كانوا يقولون عند الغارة وا صباحاه يقول لكثرة غاراتك في وقت الصبح قد مل الصبح منها ومل الليل من مزاحمتك أياه وهو أن يبلغ كل موضع يبلغه الليل هذا هو المعنى المعروف لهذا البيت والتاء في تغيره وتزاحمه يجوز أن تكون للخطاب ويجوز أن تكون للخيل وقيل في معنى هذا البيت تغيره تحمله على الغيرة مما يزيد على بياضه بريق اسلحتك وتزاحم الليل فتذهب ظلمته بضوء أسلحتك.
[ومل القنا مما تدق صدوره ... ومل حديد الهند ما تلاطمه]
يقول ملت رماح الأعداء من دقك أعاليها وملت سيوفهم من ملاطمتك إياها وأراد بالملاطمة مقابلتها بالترسة والمجان فذلك ملاطمة بينهما ويجوز أن يريد رماح خيله وسيوفها على ان ترفع الصدور يقول ملت رماحك من كثرة ما تدق صدورها اعداءك وملت سيوفك من الشيء الذي تلاطمه لكثرة وقعها عليه.
[سحاب من العقبان يزحف تحتها ... سحاب إذا استسقت سقتها صوارمه]
جعل العقبان التي تطير فوق خيله سحابا وجعل خيله أيضا سحابا لما فيها من بريق الأسلحة وصب الدماء وصوت الأبطال وجعل الأسفل يسقي الأعلى أغرابا في الصنعة وهذا المعنى وهو صحبة الطير للجيش كثير في الشعر قال الأفوه الأودى، وترى الطير على آثارنا، رأى عين ثقة أن ستمار، معناه تعطى الميرة بما تجد من لحوم القتلى ومثله قول النابغة، إذا ما غزوا بالجيش حلّق فوقهم، عصائب طير تهتدى بعصائب، وقال أبو نواس، تتأيّا الطير غدوته، ثقة بالشبع من جزره، وبيت المتنبي من قول أبي تمام، وقد ظللت عقبان أعلامه ضحى، بعقبان طير في الدماء نواهل، أقامت من الريات حتى كأنها، من الجيش إلا أنها لم تقاتل،
[سلكت صروف الدهر حتى لقيته ... على ظهر عزم مؤيدات قوائمه]
أي خضت حوادث الدهر حتى لقيت سيف الدولة يصف كثرة ما عانى من الحوادث حتى بلغه وجعل عزمه مركوبه لأنه بعزمه يسافر واستعار له ظهرا لما كان محمول عزمه ولما استعار له الظهر استعار له القوائم وجعلها مؤيدات مقويات من آيده إذا قواه
[مهالك لم تصحب بها الذئب نفسه ... ولا حملت فيها الغراب قوادمه]
نصب مهالك كأنه أبدلها من الصروف وليس إنتصابها على البدل لأنها لا تكون من صروف الدهر في شيء ولكنها منتصبة بفعل دل عليه معنى الكلام كأنه قال قطعت مهالك لو سلكها الذئب لم تصحبه روحه لأنه يموت فيها جرعا وكذلك الغراب لا يقطعها وخص هذين لأنهما يألفان القفار والمواضع البعيدة من الناس ولهذا يقال لهما الأصرمان وإذا لم يقطعاها فغيرهما أعجز
فأبصرت بدرا لا يرى البدر مثله ... وخاطبت بحراً لا يرى العبر عائمه
يقول أبصرت من سيف الدولة بدرا في الصباحة والطلاقة لا يرى بدر السماء مثله مع اطلاعه على الدنيا كلها وخاطبت منه بحرا لا يرى السابح فيه ساحله
[غضبت له لما رأيت صفاته ... بلا واصف والشعر تهذي طماطمه]
الطماطم جمع الطمطم وهو الذي لا يفصح يقول لما رأيت صفاته لا واصف لها مع كثرة طماطم الشعر يعني الشعراء الذين يمدحونه فغضبت لأجله وسبب غضبه قصور شعرائه عن بلوغ وصفه
[وكنت إذا يممت أرضا بعيدة ... سريت فكنت السر والليل كاتمه]
يقول كنت إذا قصدت أرضا بعيدة سريت بالليل مشتملا بالظلام كأني سر والليل يكتم ذلك السر وهذا منقول من قول البحتري، وطيك سر لو تكلف طيه، دجى الليل عنا لم تسعه ضمائره، وأخذ الصاحب هذا المعنى فقال، تجشمته والليل وحف جناحه، كأني سر والظلام ضمير،
لقد سل سيف الدولة المجد معلما ... فلا المجد مخفيه ولا الضرب ثالمه