قال ابن جنى أي إذا نظرت إليهن ونظرن إليّ قتلتهن وقتلنني وما منا إلا مشفق على صاحبه هذا كلامه ولم يعرف معنى البيت ولا تفسيره قال ابن فورجة بعثن يعني النساء ومفعول بعثن ضمير الالحاظ وإن لم يذكره كقولك لم أر كزيد أقام الأمير عريفا تريد إقامه ولا يجوز أن يكون ضمير بعثن للالحاظ على أسناد الفعل إليها لأن الالحاظ تبعث رسلا عند خوف الرقيب وقوله بكل القتل أي بقتلٍ فظيعٍ ثم قال وإن بعثن الحاظهن رسل القتل فهن مشفقات علينا من القتل وغير قاصداتٍ لقتلنا ولهذا قال
أدرن عيونا حائرات كأنها ... مركبةٌ أحداقها فوق زيبقِ
يقول أكثرن إدارة الأعين لصعوبة الحال وانتظار ما يحدث من الفراق فلم تستقر الأعين حتى كان احداقها على الزيبق والزيبق يوصف بقلة الثبات على المكان والبيت من قول بعضهم يصف عقعقا، يقلب عينين في رأسه، كأنهما قطرتا زيبقِ،
عشية يعدونا عن النظر البكا ... وعن لذة التوديع خوفُ التفريقِ
البكاء يمنع من النظر لأن الدمع إذا امتلأت به العين غاض البصر كما قال، نظرت كأني من وراء زجاجةٍ، إلى الدار من فرط الصبابة أنظرُ، وخوف الفراق أيضا يمنع من لذة الوداع ألا ترى إلى قول البحتري، لا تعذلني في مسيري، يوم سرت ولم ألاقك، إني خشيت مواقفاً، للبين تسفح غرب مأقك، وذكرت ما يجد المودعُ عند ضمك واعتناقك، فتركت ذاك تعمدا، وخرجت أهرب من فراقك، ومن هذا قول الآخر، يوم الفراق شكوت ترك وداعكم، والعذر فيه موسعٌ توسيعا، أو هل رأيت وهل سمعت بواحدٍ، يمشي يودع روحه توديعا، وقول الآخر، صدني عن حلاوة التشييع، حذرى من مرارة التوديع، لم يقم أنس ذا بوحشةٍ هذا، فرأيت الصواب ترك الجميع،
نودعهم والبين فينا كأنه ... قنا ابن أبي الهيجاء في قلبِ فيلق
أي أن وجد البين عمل فينا ما تعمله رماح سيف الدولة في جيوش الأعداء
قواضٍ مواضٍ نسج داؤد عندها ... إذا وقعت فيه كنسج الحذرنقِ
قواضٍ قواتل يعني رماحه ونسج داؤد يعني به الدروع والخذرنق بالدال الذال هو العنكبوت قال الراجز، ومهلٍ طامٍ عليه الغلفق، ينير أو يسدي به الخذرنق،
هوادٍ لأملاك الجيوش كأنها ... تخير أرواح الكماةِ وتنتقى
هواد قال ابن جنى أي تهديهم وتتقدمهم وأجود من هذا الذي قاله أن يقال أنها تهدي أربابها إلى أرواح الملوك يدل على هذا المعنى قوله كأنها تخير أرواح الكماة يقال هديته لكذا أو إلى كذا ومنه قوله تعالى الحمد لله الذي هدانا لهذا فهي هوادٍ أصحابها لملوك الجيوش وهذا منقول من قول الطاءي، قفا سندبايا والمنايا كأنها، تهدي إلى الروح الخفي وتهتدي، وقال أبو لفضل العروضي فيما استدرك على ابن جنى لا يقال هدى له إذا تقدمه وإنما يريد إنها تهتدي للاملاك فتقصدهم فبينه ابن فورجة فقال ليت شعري ما الفائدة أن تتقدم سيوف سيف الدولة الأملاك وإنما قوله هوادٍ بمعنى مهتديةٍ يقال هديت بمعنى أهتديت ومنه قوله تعالى أمن لا يهدي إلا أن يهدي وقوله تعالى ليكونن أهدى من إحدى الأمم والمعنى أن السيوف تهتدي إلى الملوك فتقتلهم.
تقد عليهم كل درعٍ وجوشنٍ ... وتفري إليهم كل سورٍ وخندقِ
أي لا تحصنهم منها الدروع فإنها تقدها ولا الحصون فإنها تقطعها إليهم.
يغير بها بين اللقان وواسطٍ ... ويركزها بين الفرات وجلقِ
اللقان ببلاد الروم وواسط بالعراق وكان أوقع ببني البريدي بواسط وجلق بالشام بقرب دمشق يريد كثرة غاراته وفشوها في البلاد من العراق إلى أقاصي الروم وانتشار عساكره إذا عادوا إلى ديارهم فأخذوا ما بين الفرات إلى أقاصي الشام
ويرجعها حمرا كأن صحيحها ... يبكي دما من رحمة المتدققِ
أي يرد الرماح من القتال متلطخة بالدماء تقطر منها كأنها باكية على ما تكسر منها
فلا تبلغاه ما أقول فإنه ... شجاعٌ متى يذكر له الطعن يشتقِ
أي أنه لحبه الحرب وشجاعته متى ذكر له وصف الحرب والطعان اشتاق إليه والبيت منقول من قول كثير، فلا تذكراه الحاجبية إنه، متى تذكراه الحاجبيةَ يحزنِ،
ضروب بأطراف السيوفِ بنانهُ ... لعوب بأطراف الكلام المشققِ