يقول فالجبان إنما اتقى الحرب فترك القتال حبا لنفسه وخوفا على روحه والشجاع إنما ورد الحرب دفعا عن مهجته ومحاماةً على نفسه لأنه يخاف على نفسه العدو أن قعد عن الحرب أو لأنه إذا ارى من نفسه الشجاعة والغناء تحومي واتقي فكان في ذلك بقاء نفسه كما قال الحصين بن الحمام المريّ، تأخرت أستبقى الحيوة فلم أجد، لنفسي حيوةً مثل أن أتقدما، ومثله قول الخنساء، نهين النفوس وهو النفوس يوم الكريهة أبقى لها، ومثل هذا ما روى عن أبي بكر الموت توهب لك الحيوة وهذا يحتمل وجوها أحدها أن الشجاع مهيب لا يحام حوله والثاني أنه إذا استشهد صار حيا لقوله تعالي بل أحياء عند ربهم يرزقون والثالث أن ذكره يبقى بعده فيكون كأنه حيٌّ كما قال أبو تمام، ومضوا يعدون الثناء خلودا، والمعنى أن الجبان والشجاع سواء في حب النفس وإن اختلف فعلهما.
ويختلف الرزقان والفعل واحدٌ ... إلى أن ترى إحسان هذا لذا ذنبا
يقول الإثنان يفعلان واحدا فيرزق احدهما بذلك الفعل ويحرم الثاني حتى كان احسان المرزوق ذنب للمحروم مثل ذلك أن يحضر الحرب اثنان ويغنم احدهما ويحرم الثاني فحضور الحرب احسان من الغانم ذنب للمحروم وكلاهما فعلا فعلا واحدا وكذلك يسافران فيربح أحدهما ويخسر الثاني فيعد السفر من الرابح احسانا يحمد عليه ومن الخاسر ذنبا يلام عليه وهذا كما انشده ابن الأعرابي، يخيب الفتى من حيث يرزق غيره، ويعطى المنى من حيث يحرم صاحبه، واشار بقوله هذا وذا إلى المرزوق والمحروم ولم يذكرهما إنما ذكر اختلاف الرزقين.
[فأضحت كأن السور من فوق بدئه ... إلى الأرض قد شق الكواكب والتربا]
أضحت القلعة يعني مرعش كان سورها يعني جدواها من فوق بدئه أي من أعلى ابتدائه قد شق الكواكب بعلوه في السماء والتراب برسوخه في الأرض وهذا كقول السموءل، لنا جبلٌ يحتله من نجيره، منيف يرد الطرف وهو دليل، رسال أصله تحت الثرى وسما به، إلى النجم فرع لا ينال طويلُ، وروى ابن جنى فأضحت كأن السور من فوق بدؤه بالرفع فيهما قال أراد من فوقه فلما حذف الهاء بناه على الرفع وعلى هذه الرواية لا يستقيم لفظ البيت ولا معناه
تصد الرياح الهوج عنها مخافةً ... وتفزع فيها الطير أن تلقط الحبا
أي الرياح تقصر عن أعلاها خوفا من أن تنحسر دون الوصول إليها وكذلك الطير تخاف أن ترتقي كل ذلك الأرتقاء ويجوز أن يريد أن الرياح الهوج وهي التي لا تستوي في هبوبها لا تأتيها خوفا من تثقيف سياسته والطير حذرا من أن يجري عليها إذا التقطت الحب ما توجبه حال المتناول بغير إذنٍ وهذا هو الوجه في معنى هذا البيت عند القاضي ابن الحسن الجرجاني فإنه يقول نقله من قول الطائي، فقد بث عبد الله خوف انتقامه، على الليل حتى ما تدب عقاربه.
[وتردى الجياد الجرد فوق جبالها ... وقد ندف الصنبر في طرقها العطبا]
تردى من الرديان وهو ضرب من العدو والصنبر السحاب البارد وهو أيضا أسم أحد أيام العجوز والعطب القطن يقول خيلك تعود فوق جبال هذه القلعة وقد امتلأت طرقها بالثلوج التي كأنها قطن ندفه فيها السحاب وأيام العجوز.
كفى عجباً أن يعجب الناس أنه ... بنى مرعشا تبا لآرائهم تبا
يقول كفى من العجب تعجب الناس من بنائه هذه القلعة وتبا لآرائهم حين لم يعلموا أنه يقدر على ما يقصده فكيف يتعجبون من قادرٍ يبلغ مقدوره.
[وما الفرق ما بين الأنام وبينه ... إذا حذر المحذور واستصعب الصعبا]
يقول أي فرقٍ بينه وبين غيره إذا خاف ما يخاف غيره وصعب عليه ما يصعب على غيره يعني أنه يتميز من الأنام بأنه لا يخاف شيئا ولا يتعذر عليه أمرٌ.
لأمرٍ أعدته الخلاقة للعدى ... وسمته دون العالم الصارم العضبا
يقول الخلافة اعدته لأمر من الأمور وسمته دون جميع الناس سيف دولتها
ولم تفترق عنه الأسنة رحمةً ... ولم تترك الشأم الأعادي له حبا
يقول ولم ينهزم عنه الأعداء رحمةً عليه ولا أخلوا له الشام حبا له كما قال مروان بن أبي حفصة، وما أحجم الأقوام عنك بقيةً، عليك ولكن لم يروا فيك مطمعا،
ولكن نفاها عنه غير كريمةٍ ... كريم النثا ما سب قط ولا سبا