يقول الذي يجزع على فقد الشباب إنما أشابه من اشبه والشيب حصل من عند من حصل منه الشباب فلا سبيل إلى التوقي من المشيب لأن امره بيد غيره
[وتكلمة العيش الصبي وعقيبه ... وغائب لون العارضين وقادمه]
يقول تمام العيش هو الصبي اولا ثم ما يتعقبه من بلوغ الأشد حتى يكون يافعا ومترعرعا إلى أن يختلف إلى عارضيه لونا بياضٍ وسوادٍ وغائب لون العارضين هو البياض والقادم هو السواد السابق إلى العارض ويجوز أن يريد بالقادم الشيب من قدم يقدم إذا ورد وبالغائب السواد ال١ي غاب بقدوم البياض ويجوز أ، يكون غائب لون العارضين لون البشرة حين يغيب عنها سواد الشعر وبياضه والقادم هو لون الشعر من سوادٍ الشعر النابت وهذا هو الأولى لأنه يجعل تمام العيش أن يكون الإنسان صبيا ثم مترعرعا ثم يافعا ثم نبت شعره فيكون شابا ولم يجعل الشيب من تكملة العيش لأن، من شاب في الناس مات حيا، يمشي على الأرض مشى هالك، لو كان عمر الفتى حسابا، لكان في شيبه فذلك، وبيت المتنبي من قول ابن الرومي، سلبت سواد العارضين وقبله، بياضهما المحمود إذا أنا أمرد،
[وما خضب الناس البياض لأنه ... قبيح ولكن أحسن الشعر فاحمه]
يقول البياض في الشعر حسن ولم يخضب البياض لأنه مستقبح ولكن السواد أحسن منه فالخاضب إنما يطلب الأحسن من لوني الشعر.
وأحسن من ماء الشبيبة كله ... حيا بارقٍ في فازة أنا شائمه
أراد بماء الشبيبة نضارتها وحسنها والبارق السحاب ذو البرق والفازة شراع ديباج نصب لسيف الدولة والشائم الناظر إلى البرق يرجو المطر يقول أحسن من الشباب مطر سحاب بارق أنا أنظر إليه يعني سيف الدولة جعله مطر سحاب لجوده وعموم نفعه وكنى بالشيم عن تعليق رجائه به بنتظار جوده وجمع له في هذا البيت بين ضروب من المدح الحسن والجود واستحقاق التأميل.
[عليها رياض لم تحكها سحابة ... وأغصان دوح لم تغن حمائمة]
وفوق حواشي كل ثوبٍ موجهٍ ... من الدر سمط لم يثقبه ناظمه
يصف تلك الفازة بأنها مصورة بصورة رياضٍ وأشجارٍ غير أنها ليست مما انبتته السحاب وحاكته وأغصان تلك الأشجار لا تتغنى حمائمها لأنها صور غير ذات روح
وفوق حواشي كل ثوبٍ موجهٍ ... من الدر سمط لم يثقبه ناظمه
الموجه من كل شيء ذو الوجهين وأراد بسمط الدر الدوائر البيض على حاشية تلك الأثواب التي اتخذت منها الفازة شبهها بالدر لبياضها غير أن من نظمه لم يثقبه لأنه ليس بدرٍ حقيقي
[ترى حيوان البر مصطلحا بها ... يحارب ضد ضده ويسالمه]
هذه الفازة كانت مصورة باجناس الحيوان يقول تراها مصطلحة بهذه الفازة وعادتها التفارس والتهارش وهي مصالحة لأنها نقوش وأراد بالمحاربة أنها نقشت في صورة المحارب ومعنى المسالمة أنها جماد لا روح فيها فتقاتل.
إذا ضربته الريح ماج كأنه ... تجول مذاكيه وتدأى ضراغمهْ
المذاكي المسنة من الخيل وتدأى معناه تختل يقال دأوت له ودأيت أدأى أي ختلته وروى بالذال ومعناه تطرده يقال ذأي الإبل ذأوا إذا طردها يقول إذا طربت الريح هذا الثوب تحرك كأنه يموج وكأن الخيل التي صورت عليه جائلة وكأن أسوده تختل الظباء لتصيدها وتطردها لتدركها
[تقبل أفواه الملوك بساطه ... ويكبر عنها كمه وبراجمه]
يقول الملوك يخدمونه بتقبيل بساطه ولا يبلغون أن يقبلوا كمه أو يده لأنه اعظم شأنا من ذلك.
قياما لمن يشفى من الداء كيه ... ومن بين أذني كل قرمٍ مواسمه
قياما مصدر لم يذكر فعله كأنه قال قاموا قياما يريد أنهم قاموا بين يديه وكنى بالكي عن ضربه وطعنه ولذعة حربه وبالداء عن غوائل الاعداء ومعنى البيت أنه يرد بالطعن والضرب من عصاه إلا طاعته كما يرد من به داء إلى الصحة بالكي والمواسم جمع الميسم وهو ما يوسم به ويقال أيضا المباسم بالباء على لفظ المبسم وهذا مثل يضرب به يريد أن كل ملك عظيم قد ذلك له وبان عليه أثر قهره إياه
[قبائعها تحت المرافق هيبة ... وأنفذ مما في الجفون عزائمه]
القبائع جمع القبيعة وهي حديدة فوق مقبض السيف ولم يجر لها ذكر يقول قاموا عنده متكئين على قبائع سيوفهم هيبةً له وتعظيما ثم قال عزائمه أنفذ من نصال السيوف وهي ما في الجفون.
له عسكرا خيلٍ وطيرٍ إذا رمى ... بها عسكرا لم يبق إلا جماجمه