قد كان قاسمك الشخصين دهرهما ... فعاش درهما المفديُّ بالذهبِ
يعني بالشخصين أختيه ماتت أحدهما وهي الصغرى وبقيت الكبرى فكانت كدرٍّ فدى بذهبٍ جعل الكبرى كالدر والصغرى كالذهب
ما كان أقصر وقتا كان بينهما ... كأنه الوقت بين الورد والقربِ
يريد أن قصر ما كان بين موتيهما من الزمان كان كقصر ما بين الورود والليلة التي يصبح فيها الماءُ
جزاك ربك بالأحزان مغفرةً ... فحزن كل أخي حزنٍ أخو الغضبِ
إنما استغفر له من الأحران لأن الحزن كالغضب والغضب ممن هو تحتك إذا أصابتك منه ما تكره والحزن ممن هو فوقك وقد جمعهما الله تعالى في قوله ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا فالغضب إنما كان على قومه الذين عبدوا العجل والأسف إنما كان بسبب خذلان الله إياهم حين عبدوا العجل والإنسان إذا حزن لمصيبةٍ تصيبه فكأنه على القدر المقدور حيث لم يجر بمراده والغضب على المقدور مما يستغفر منه
وأنتم نفر تسخو نفوسكم ... بما يهبن ولا يسخون بالسبِ
أي كان الدهر سلبك وأنت تجزع لأنك لا تسخو بالسلب وهذا كقوله، لا جزعا بل أنفا شابه، أن يقدر الدهر على غصبهِ، وقوله ولا يسخون إخبار عن النفوس كقوله تعالى إلا أن يعفون يعني النساء
حللتم من ملوكِ الناس كلهمِ ... محل سمرِ القنا من سائر القصبِ
فلا تنلك اليالي إن أيديها ... إذا ضربن كسرن النبع بالغربِ
النبع ما صلب من الخشب وهو ينبت في الجبال والغرب نبت ضعيف يقول لا أصابتك الليال بسوء فإنها تغلب القويَّ بالضعيف ولهذا قال
ولا يعن عدوا أنت قاهره ... فإنهن يصدن الصقر بالخربِ
الخرب ذكر الحباري وجمعه خربان كما قال
وإن سررن بمحبوبٍ فجعن به ... وقد أتينك في الحالين بالعجبِ
يقول إن سرتك الأيام بوجود ما تحبه فجعتك بفقده إذا استردته وقد ارينا العجب حيث سررنك بها ثم فجعنك بفقدها فكانت سببا للسرور والفجيعة وهذا عجب أن يكون شيء واحد سببا للمسرة والمساءة
وربما أحتسب الإنسان غايتها ... وفاجأته بأمرٍ غير محتسبِ
أي قد يحسب الإنسان أن المحن قد تناهت فيأتيه شيء لم يكن في حسابه والمعنى أنه لا يؤمن فجاآت الدهر
وما قضى أحدٌ منها لبانته ... ولا انتهى أربٌ إلا إلى أربِ
لم يقضِ أحد حاجته من الليالي لن حاجات الإنسان لا تنقضي وهو قوله ولا انتهى اربٌ إلا إلى أرب كما قال الآخر، تموت مع المرء حاجاته، وتبقى له حاجةٌ ما بقي، واللبانة الحاجة والأرب الغرض
تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم ... إلا على شجبٍ والخلف في الشجبِ
يقول جرى الخلف في كل شيء حتى لم يتفق الناس إلا على الهلاك وهو أن منتهى الحيوان أن يموت فيهلك ثم قال والخلف الحقيقي في الهلاك وهو ما ذكره في قوله
فقيل تخلص نفس المرء سالمةً ... وقيل تشرك جسمَ المرء في العطبِ
يريد بالنفس الروح والناس مختلفون في هلاك الأرواح فالدهرية والذين يقولون بقدم العالم يقولون الروح تفنى كما يفنى الجسم والمومنون بالبعث يقولون الأرواح تسلم من الهلاك ولا تفنى بفناء الأجسام
ومن تفكر في الدنيا ومهجته ... أقامهُ الفكر بين العجز والتعبِ
إنما يقيمه الفكر بين العجز والتعب لأنه يتعب تارة في طلب الدنيا وتارةً يترك طلبها للعجز خوفا على مهجته فلا ينفك الإنسان من تعب أو عجز فالطالب متعوب والقاعد عن الطلب عاجز وإنما عجزه للخوف على مهجته فلو تيقن بسلامة المهجة لم يقعد عن الطلب ولم يركن إلى العجز وقال أيضا يمدحه وقد بعث إليه هديةً إلى العراق ومالا دفعةً بعد دفعة في شوال سنة ٣٥١
ما لنا كلنا جو يا رسولُ ... أنا أهوى وقلبك المتبولُ
المتبول الذي قد أفسده الحب ومنه قول الشاعر، تبلت فؤادك في المنام خريدةٌ، تسقي الضجيع بباردٍ بسامِ، والجوى الذي قد أصابه الجوى وهو داء في الجوف يتهم رسله الذي يرسله إلى الحبيبة بمشاركته إياه في حبها يقول ما لنا كلانا جوٍ بحبها أنا العاشق وقلبك الفاسد بالحب
كلما عاد من بعثت إليه ... غار مني وخان فيما يقولُ
يقول كلما عاد إليّ الرسول غار عليّ بحبها لأنه رأى حسنها فحمله ذلك على الغيرة وخان فيما يؤدي من الرسالة إليّ منها وإليها مني