ومروا بالجباة يضم فيها ... كلا الجيشين من نقعٍ إزارُ
الجباة اسم ماء يريد أن جيش سيف الدولة لحقوهم بهذا الماء واشتمل على الجيشين حتى صارا منه في إزار
وجاؤوا الصحصحان بلا سروجٍ ... وقد سقط العمامةُ والخِمارُ
أي جاؤوا هذا المكان وقد خففوا عن أنفسهم ودوابهم بطرح هذه الأشياء لسرعتهم في السير ويروي وجازوا
وأرهقت العذارى مردفاتٍ ... وأوطئت الأصيبيةُ الصغارُ
يقال أرهقته أي كلفته مشقةً والمعنى أنهن كلفن مشقةً في حال استردافهن للهرب والصبيان الصغار لا يثبتون على الخيل في الركض فسقطوا ووطئتهم الخيل فترك ذكر الخيل للعلم به
وقد نزح العوير فلا عويرٌ ... ونهيا والبييضةُ والجفارُ
ويروي الغوير وهذه كلها مياه أي لما بلغوها نزحوها لما لحقهم من العطش والجهد حتى لم يبق منها شيء ولذلك قال فلا عوير
وليس بغير تدمر مستغاثٌ ... وتدمرُ كاسمها لهم دمارُ
يقول لم يكن لهم مستغاث إلا بهذا المكان ظنوا أنهم إذا بلغوه حصنهم من سيف الدولة فغشيهم الجيش به وصار دمارا عليهم كأسمه
أرادوا أن يديروا الرأي فيها ... فصبحهم برأيٍ لا يدارُ
أرادوا أن يديروا الرأي بينهم بتدمر فأتاهم سيف الدولة صباحا برأيٍ لا يدار على الأمور لأنه بأول بديهة رأيه يرى الصواب
وجيشٍ كلما حاروا بأرضٍ ... وأقبل أقبلت فيه تحارُ
أي وصبحهم بجيشٍ كلما أشرف هؤلاء الهراب على أرض واسعة فحاروا فيها لسعتها ثم أقبل هذا الجيش أقبلت تلك الأرض تتحير فيهم من كثرتهم
يحف أغر لا قودٌ عليه ... ولاديةٌ تساق ولا اعتذارُ
هذا الجيش يحيط بأغر يعني سيف الدولة إذا قتل عدوه لم يكن عليه قودٌ ولا ديةٌ ولم يعتذر من فعله لأنه ملك قاهرٌ فلا يراجع فيما فعل أو لأنه يقتل الكفار ولا يلزمه شيء مما ذكر في قتلهم
تريق سيوفه مهج الأعادي ... وكل دمٍ أراقته جبارُ
تفسير هذا البيت كتفسير الذي قبله
وكانوا الأسد ليس لها مصالٌ ... على طيرٍ وليس لها مطارُ
قال ابن جنى أي كانوا قبل ذلك أسدا فلما غضبت عليهم وقصدتهم لم تكن لهم صولة على طير لضعفهم ولم يقدروا أيضا على الطيران فأهلكتهم وعلى هذا القول يكون هذا البيت من صفة المنهزمين وقال العروضي هذا من صفة خيل سيف الدولة يقول كانوا أسودا ولا عيب عليهم أن لم يدركوا هؤلاء لأن الأسد القويّ لا يمكنه صيدُ الطائر لأنه لا مطار للأسد والمعنى أنهم أسرعوا في الهرب إسراع الطير في الطيران وهذا كالعذر لهم في التخلف ممن لم يلحقوهم من سرعان الهراب وما بعد هذا البيت يدل على هذا المعنى
إذا فاتوا الرماحَ تناولتهم ... بأرماحٍ من العطشِ القفارُ
أي إذا فاتوا رماح سيف الدولة قام العطش في قتلهم مكان الرماح
يرون الموت قداما وخلفاً ... فيختارون والموت اضطرارُ
يرون الموت قدامهم من العطش وخلفهم من الرماح فيختارون أحدهما وليس ذلك اختيارا في الحقيقة لأن الموت يضطر إليه ولا يختاره أحد
إذا سلك السماوة غير هادٍ ... فقتلاهم لعينيه منارُ
إذا ضل أحد بصحراء السماوة قامت له جثث قتلاهم بها مقامَ المنار فاهتدى وعرف الطريق بهم وهذا من قول ثابت قطنة، هدانا الله بالقتلى نراها، مصلبةً بأفواهِ الشعاب،
ولو لم يبق لم تعشِ البقايا ... وفي الماضي لمن بقيَ اعتبارُ
أي لو لم يعف عن الباقين لهلكوا أيضا ومن بقي يعتبر بمن قتل ولا يعصي
إذا لم يرع سيدهم عليهم ... فمن يرعى عليهم أو يغارُ
يقال ارعى عليه إذا أبقى عليه ورحمه أي فمن يغار لهم ويرحمهم إذا لم يرحمهم سيف الدولة
تفرقهم وإياهُ السجايا ... ويجمعهم وإياهُ النجارُ
يقول أصلهم واصله واحد لاشتراكهم في نزار إلا أن اخلاقهم مختلفة
ومال بها على أركٍ وعرضٍ ... وأهل الرقتينِ لها مزارُ
يقول مال سيف الدولة بخيله على هاتين البقعتين وأهلُ الرقتين قريبٌ بحيث لو أراد زيارتهم لما بعد ذلك عليهم هذا قول ابن جنى والصحيح أنه يقول عدل بالخيل على هذين الموضعين على تباعدهما عن قصده وهو موجهٌ إلى الرقتين ويعني بهذا طلبه لبني كعب في كل مكان ويروي أرك وعرض
وأجفل بالفرات بنو نميرٍ ... وزارهم الذي زأروا خوارُ