يريد أنه كان ينظر إلى أذني فرسه يحفظ نفسه بهما وذلك إن الفرس أبصر شيء فإذا أحس بشخص من بعيد نصب أذنيه نحوه فيعلم الفارس أنه ابصر شيئا ثم وصف فرسه فقال كأنه في لونه وسواده قطعةٌ من الليل وكأن الغرة في وجهه كوكبٌ من كواكب الليل قد بقي بين عينيه وهذا من قول أبي داود، ولها قرحة تلألأ كالشعري أضاءت وغم عنها النجومُ،
له فضلةٌ عن جسمهِ في إهابهِ ... تجيء على صدرٍ رحيبٍ وتذهب
يصف فرسه بسعة الأهاب ومهما كان الإهاب أوسع كان العدو أشد لأن سعةَ خطوة على قدر سعة إهابه ولهذا ليس للحمار عدو لضيق أهابه عن مد يديه يقول ففي أهابه فضلة عن حسمه تلك الفضلة على صدره الرحيب تجيء وتذهب
شققت به الظلماء أدنى عنانهُ ... فيطغى وأرخيه مرارا فيلعبُ
يقول شققت ظلام الليل بهذا الفرس إذا أدنيت عنانه إلى نفسي بجذبه وثب وطغى مرحا ونشاطا وإذا أرخيت عنانه لعب برأسه
وأصرع أي الوحش قفيته به ... وأنزل عه مثله حين أركبُ
يقول إذا طردت وحشا به لحقه وصرعه وقفيته تلوته وتبعته وإذا نزلت عنه بعد الطرد والصيد كان مثله حين أركبه يعني لم يدركه العناء ولم ينقص من سيره شيء كما قال ابن المعتز، تخال آخره في الشد أوله، وفيه عدو ورآء السبق مذخور،
وما الخيل إلا كالصديق قليلةٌ ... وإن كثرت في عين من لا يجربُ
يقول منزلة الخيل من الإنسان كمنزلة الصديق قليلةٌ وإن كثرت في العدد عند من لم يجربها يعني أنها بالتجربة تعرف فتبين الكوادن من السوابق التي لها جوهر في السبق والعدو كما أن الصديق يعرف بالتجربة ما عنده من صدق الوداد أو مذقه ولهذا يقال لا يعرف الأخ إلا عند الحاجة
إذا لم تشاهد غير حسنِ شياتها ... وأعضائها فالحسنُ عنك مغيبُ
إذا لم تر من حسن الخيل غير حسن الألوان والأعضاء فأنك لم تر حسنها يعني أن حسنها جريها وعدوها
لحا الله ذي الدنيا مناخا لراكبٍ ... فكل بعيد الهم فيها معذبُ
قولهم لحا الله فلانا دعاء عليه وذم له وأصله من لحوت العود إذا قشرته ونصب مناخا على التمييز أي من مناخ او على الحال يذم الدنيا ويقول بئس المنزل هي فإن من كان أعلى همةً كان أشد عناءً فيها
ألا ليست شعري هل أقول قصدةً ... فلا أشتكي فيها ولا أتعتبُ
يقول ليتني أعلم هل تخلو لي قصيدةٌ من شكاية الدهر وعتابه بأن يبلغني المراد وأنال منه ما أطلب فأدع الشكاية
وبي ما يذود الشعر عني أقلهُ ... ولكن قلبي يابنة القومِ قلبُ
يقول بي من هموم الدهر وما جمعه عليّ من نوائب صروفه ما يمنع الشعر لشغل الخاطر عنه ولكن قلبي كثير التقلب لا يموت خاطره وإن أزدحمت عليه الهموم والأشغال وقوله يا بنةَ القوم وهو من عادة العرب فإن عادتهم قد جرت بمشابة النساء ومخاطبتها وإنما قال يا ابنة القوم إشارةً إلى كثرة أهلها وقال ابن جنى هو كنايةٌ عن قولهم يا بنة الكرام والقول الظاهر هو الأول لا ما قاله
وأخلاقُ كافورٍ إذا شئتُ مدحهُ ... وإن لم أشأ تملي عليّ وأكتبُ
يريد أن مدحه يسهل عليه بما فيه من محاسن الأخلاف كأنها تملى عليه المدائح فلا يحتاج إلى جلب معنى وجذب منقبة إليه
إذا ترك الإنسان أهلا وراءه ... ويمم كافورا فما يتغربُ
يقول إذا اغترب الإنسان عن أهله وقصده آنسه بعطاياه وتفقده إياه حتى كأنه في أهله ولم يتغرب عنهم وهذا من قول الطائي، هم رهط من أمسى بعيدا رهطه، وبنو أبي رجلٍ بغيرِ بني أبي، وأصل هذا المعنى من قول الأول، نزلت على آلٍ المهلبِ شاتيا، غريبا عن الأوطان في زمن المحل، فما زال بي إكرامهم واقتفاؤهم، وإلطافهم حتى حسبتهم أهلي،
فتًى يملأ الأفعال رأياً وحكمةً ... ونادرةً أحيان يرضى ويغضبُ
يقول أفعاله مملوؤة عقلا وحكمةً فمن نظر إلى أفعاله استدل بها على ما عنده من العقل والاصابة في كلتى حاليه من الغضب والرضا وقوله ونادرة أي فعلة غريبة لا توجد إلا منه وروى ابن جنى بارة بالباء أي بديهةً والنون أجود
إذا ضربت في الحرب بالسيف كفهُ ... تبينت أن السيف بالكف يضرب