وكم لك جدا لم تر العين وجهه ... فلم تجر في آثارهِ بغروبِ
يقول كما لكن من أب وجد لم تره عينك فلم تبك عليه فهب هذا مثلهم لأنه غاب عنك والغائب عن قرب كالغائب البعيد عهده.
فدتك نفوس الحاسدين فإنها ... معذبة في حضرةٍ ومغيبِ
وفي تعب من يحسد الشمس نورها ... ويجهد أن يأتي لها بضريبِ
ضرب له المثل بالشمس ولحساده بمن يريد أن يأتي الشمس بمثل أي فكما أنه لا مثل للشمس كذلك لا مثل لك.
وقال يمدح سيف الدولة ويذكر بناءه مرعش في المحرم سنة أحدى وأربعين وثلثمائة
فديناك من ربعٍ وإن زدتنا كربا ... فإنك كنت الشرق للشمس والغربا
هذا كقوله أفديك من حكمٍ ونفديك من رجل صحبى وقد مر يقول للربع فديناك من الأسواء وإن زدتنا وجدا وهيجته لنا بأن ذكرتنا عهد الأحبة وحين كنت مثوى للحبيب منك كان يخرج وإليك كان يعود وكني بالشمس عن المرأة.
[وكيف عرفنا رسم من لم تدع لنا ... فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا]
يتعجب من معرفته رسم دارها بعد أن سلبته قلبه ولبه حتى لم تدع له فؤادا ولا عقلا
نزلنا عن الأكوار نمشي كرامةً ... لمن بان عنه أن نلم به ركبا
يقول ترجلنا تعظيما لهذا الربع ولسكانه أن نزوره راكبين وقد كشف السري عن هذا المعنى فقال، حييت من طللٍ أجاب دثوره، يوم العقيق سؤال دمعٍ سائل، نحفى وننزل وهو أعظم حرمةً، من أن يزار براكبٍ أو ناعلِ،
[نذم السحاب الغر في فعلها به ... ونعرض عنها كلما طلعت عتبا]
نذم السحاب لأنها تعفى الربع وتغير آثاره وإذا طلعت السحاب وعرضت أعرضنا عنها عتبا عليها لأخلاقها الرسوم والأطلال.
[ومن صحب الدنيا طويلا تقلبت ... على عينه حتى يرى صدقها كذبا]
يقول من طالت صحبته للدنيا رأى ظاهرها وباطنها وأمامها وخلفها كالمتقلب على عينه لا يخفى عليه منه شيء فعرف أن صدقها كذب وأنها غرر وأماني ويجوز أن يكون هذا التقلب بأحوالنا من المضرة والمسرة والشدة والرخاء ويجز أن يكون هذا البيت متصل المعنى بالذي قبله يريد أن السحاب تطلب وتشكر ولا تذم ونحن نذمها لما تفعل بالربع وهذا من تقلب الدنيا.
[وكيف التذاذي بالأصائل والضحى ... إذا لم يعد ذاك النسيم الذي هبا]
يقول كيف ألتذ بالعشايا والغدايا إذا لم استنشق ذاك النسيم الذي كنت أجده من قبل يعني نسيم الحبيب ونسيم أيام الوصال والشباب.
ذكرت به وصلا كأن لم أفز به ... وعيشاً كأني كنت أقطعه وثبا
يقول ذكرت بهذا الربع وصلا قصرت أيامه حتى كأنه لم ين لسرعة انقضائه وعيشاً وشيك الإنقطاع كأني قطعته بالوثوب وهو أسرع من المشي والعدو قال القاضي أبو الحسن هذا المصراع من قول الهذلي، عجبت لسعي الدهر بيني وبينها، فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر، قال فجعل المتنبي السعي وثبا وليس الأمر على ما ذكر فإن معنى بيت الهذلي بعيد من معنى بيت المتنبي يقول عجبت كيف سعى الدهر بيننا بالإفساد به بيت الهذلي وأي تقارب لهذا المعنى من معنى بيت أبي الطيب وظن القاضي أن معنى بيت الهذلي عجبت لسعرة مضي الدهر أيام وصلنا فلما انضى الوصل طال الدهر حتى كأنه سكن فليس يمر وإن صح هذا المعنى كان له أدنى اشتباهٍ ببيت المتنبي وقال ابن جنى يريد قصر أوقات السرور قال ومن أظرف ما سمعت فيه قول الوليد بن يزيد، لا أسل الله تغييراً لما صنعت، نامت وقد أسهرت عيني عينها، فالليل أطول شيء حين أفقدها، والليل أقصر شيء حين ألقاها، والشعراء أبدا يذكرون قصر أوقات السرور وأيام اللهو وسرعة زوالها وانقضائها كما قال البحتري، ولا تذكروا عهد التصابي فإنه، تقضي ولم نشعر به ذلك العصر، وقال الآخر، ظللنا عند دار أبي نعيمٍ، بيومٍ مثل سالفهِ الذباب، شبهه في القصر بعنق الذباب وآخر يقول، يومٍ كإبهام القطاة مزين، إليَّ صباه غالبٍ لي باطلهُ، والشيء إذا مضى صار كأن لم يكن وهذا معنى قول أبي الطيب كأني لم أفز به إلا ترى إلى قول متممٍ، فلما تفرقنا كأني ومالكا، لطول اجتماع لم نبت ليلةً معا،
وفتانة العينين قتالة الهوى ... إذا نفحت شيخاً روائحها شبا