هذا من قول حمزة بن بيضن فهمك فيها جسام الأمور، وهم لداتك أن يلعبوا،
يعلمن حين تحيى حسن مبسمها ... وليس يعلم إلا الله بالشنبِ
يقول أترابها إذا حيينها راين حسن مبسمها ولم يطلع على ما وراء شفتها من الشنب إلا الله لأنه لم يذقه أحد والشنب برد الريق ومنه قول الراجز، وا بأبي أنتِ وفوكِ الأشنبُ، واساء في ذكر حسن مبسم أخت ملك وليس من العادة ذكر جمال النساء في مراثيهن قال ابن جنى فكان المتنبي يتجاسر في الفاظه جدا
مسرةٌ في قلوب الطيب مفرقها ... وحسرةٌ في قلوب البيض واليلبِ
الطيب يسر باستعمالها إياه والبيض يتحسر على تركها لبس البيض واستعار لها قلوبا لما وصفها بالسرور والحسرة واليلب سيور تجعل تحت البيض وربما لبسوها إذا لم يكن لهم درع
إذا رأى ورآها رأس لابسهِ ... رأى المقانع أعلى منه في الرتبِ
إذا رأى البيت أو اليلب رأس لابسه ورأى هذه المرأة رأى المقانع التي تلبسها هذه المرأة أعلى رتبةً من البيض
وإن تكن خلقت أنثى لقد خلقتْ ... كريمةً غير أنثى العقلِ والحسبِ
وإن تكن تغلبُ الغلباءُ عنصرها ... فإن في الخمر معنى ليس في العنبِ
الغلباء الغليظة الرقبة وهو نعت تغلب وجعلهم غلاظ الرقاب لأنهم لا يذلون لأحد ولا ينقادون له وفي هذا البيت تفضيل هذه المرأة على أبائها التغلبيين كتفضيل الخمر على العنب والعنب أصلها وهي أفضل من العنب وهذا كقوله، فإن تفق الأنام وأنت منهم، فإن المسك بعض دم الغزال، وكقوله، وما أنا منهم بالعيش فيهم، البيت
فليت طالعة الشمسين غائبةٌ ... وليت غائبةَ الشمسين لم تغبِ
جعلها وشمس النهار شمسين ثم قال ليت طالعتهما وهي شمس النهار غائبة وليست غائبتهما وهي المرثية لم تغب أي أنها كانت أعم نفعا من شمس النهار فليتها بقيت وفقدنا الشمس
وليت عين التي آب النهارُ بها ... فداء عينِ التي زالت ولم تؤبِ
أي ليت عين الشمس فداء عين هذه المرأة التي فارقت ولم تعد
فما تقلد بالياقوت مشبهها ... ولا تقلد بالهندية القضبِ
أي لم يكن لها شبيه لا من الرجال ولا من النساء والقضب جمع القضيب وهو اللطيف الدقيق من السيوف
ولا ذكرت جميلا من صنائعها ... إلا بكيت ولا ود بلا سببِ
يقول إذا ذكرت صنائعها بكيت لمحبتي إياها والمحبة لها سبب وسبب محبتي صنائعها لدي وإحسانها إليّ وروى ابن جنى بلا ود ولا سبب أي لم يكن بكائي لود أو سببٍ سوى صنائعها
قد كان كل حجابٍ دون رؤيتها ... فما قنعت لها يا أرض بالحجبِ
أي كانت محجوبة عن الأعين بكل حجاب فأحبت الأرض أن تكون من حجبها فانضمت عليها
ولا رأيت عيون الإنس تدركها ... فهل حسدت عليها أعين الشهبِ
يقول للأرض هل حسدت أعين الكواكب على رؤيتها حتى حجبتها بنفسك فإن عيون الإنس كانت لا تدركها
وهل سمعت سلاما لي ألم بها ... فقد أطلت وما سلمت من كثبِ
يقول للأرض هل سمعت سلاما لي أتاها يريد أنه يجهر إليها السلام والدعاء وسال الأرض عن بلوغ سلامه إليها ثم قال وقد أطلت التأبين والمرثية وتجهير السلام عليها ولم أسلّم عليها من قرب وذلك أنها ماتت على البعد منه ولم يعرب أن جنى معنى هذا البيت فجعل الاستفهام فيه استفهام إنكار قال يقول قد أطلت السلام عليها وإنا بعيد عنها فهل سمعت يا ارض سلامي قريبا منها ويدل على فساد هذا قوله
وكيف يبلغ موتانا التي دفنت ... وقد يقصر عن أحيائنا الغيبِ
روى ابن جنى عن احبابنا الغيب قال أي كيف يبلغ سلامي الموتى وقد يقصر دون الإحياء يعرض بسيف الدولة فإنه يقصر سلامه دونه وأنكر ابن فورجة هذا التعريض وقال هذا على العموم أي أن السلام قد يقصر على الحيّ الغائب فكيف عن الميت وليس في الكلام ما يدلع لى التعريض بسيف الدولة
يا أحسن الصبر زر أولى القلوبِ بها ... وقل لصاحبهِ يا أنفع السحبِ
أولى القلوب بهذه المرأة قلب سيف الدولة والهاء في لصاحبه تعود على أولى القلوب وصاحبه سيف الدولة أي وقل لسيف الدولة يا أنفع السحب يريد أن عطاءه أهنأ لنه بلا أذى والسحاب قد يؤذي سيله وتهلك صواعقه
وأكرم الناس لا مستثنياً أحداً ... من الكرام سوى آبائك النجبِ