قال ابن جنى يقول إذا تكفرت الأبطال ولبست الثياب فوق الحديد خشيةً واستظهارا فذاك الوقت أشد ما يكون تبذلا للضرب والطعن شجاعة وإقداما هذا كلامه وقد جعل الثياب تصون الحديد قال أبو الفضل العروضي أحسب أبا الفتح أن يقول قبل أن يتفكر ويرسل قلمه قبل أن يتدبر والمتنبي جعل الصون للحديد لا للثياب بقوله إذا لم يصن ثياب إلا الحديد يعنى الدرع وليس يريد صيانة الحديد وإنما يريد صيانة الرجل نفسه واستظهاره بلبس الحديد ونصب الحديد مع النفي لأنه تقدم على المستثنى منه فصار كما قال الكميت، فما ل إلا آل أحمد شيعةٌ، وما لي إلا مشعب الحق مشعبُ، وهذا أظهر من أن يحتاج إلى بسط القول فيه وقال ابن فورجة ليس المصون الحديد على ما توهمه بل مفعول يصن محذوف على تقدير إلا مشعب الحق مشعبُ، وهذا أظهر من أن يحتاج إلى بسط القول فيه وقال ابن فورجة ليس المصون الحديد على ما توهمه بل مفعول يصن محذوف على تقدير إذا لم يصن الأبدان ثياب إلا الحديد فلما قدم المستثنى نصبه انتهى كلامه ومعنى البيت أكثر ما تلقاه في الحرب تلقاه باذلا نفسه لم يحصنها بالدروع إذا لم ين الأبطال إلا الحديد يريد أنه لشجاعته لايتوقى الحرب بالدرع والحديد كما قال الأعشى، وإذا تكون كتيبةٌ ملمومةٌ، شهباء يخشى الذائدون نهالها، كنت المقدم غير لابس جنةٍ، بالسيف تضرب معلما أبطالها،
وأوسع ما تلقاه صدرا وخلفه ... رماء وطعن والأمام ضرابُ
قال ابن جنى يقول أوسع ما يكون صدرا إذا تقدم في أول الكتيبة يضرب بالسيف وأصحابه من ورائه ما بين طاعن إلى رامٍ قال ابن فورجة جعل ابن جنى الرماء والطعن من أصحاب الممدوح ولا يكون في هذا كثير مدح لأن كل واحد إذا كان خلفه من يرمي ويطعن من أصحابه فصدره واسع وقلبه مطمئن وإنما أراد وخلفه رماء وأمامه طعن من أعدائه فالمعنى فإذا كان في مضيق من الحرب قد أحاط به العدو من كل جانب لم يضجر ولم يعد ذلك لضيق صدره
وأنفذ ما تلقاه حكما إذا قضى ... قضاءً ملوك الأرض منه غضابُ
يقول إذا حكم حكما على خلاف جميع الملوك نفذ حكمه لطاعتهم له والمعنى أنه سيدهم فلا يمنع حكمه من النفاذ غضبهم وهم لا يقدرون على إظهار خلافه فأنفذ حكمهِ ما خالف به الملوك وغاضبهم
يقول إليه طاعة الناس فضلهُ ... ولو لم يقدها نائلٌ وعقابُ
يقول لو لم يطعه الناس رغبةً ولا رهبةً لأطاعوه محبةً لما فيه من الفضل والمعنى أن الناس يطيعونه لاستحقاقه طاعتهم بفضله لا لرجاء جوده ولا لخوف عقوبته
أيا أسدا في جسمه روح ضيغمٍ ... وكم أسد أرواحهن كلابُ
يقول أنت أسد وهمتك أيضا همة الأسود والأسد يوصف بعلو الهمة لأنه لا يأكل من فريسة غيره كما قال الشاعر، وكانوا كأنف الليث لا شم مرغماً، ولا نال قط الصيد حتى يعفرا، يعني أنه يطعم مما صاده بنفسه وقد قال الطائي، إن الأسود أسود الغاب همتها، يوم الكريهة في المسلوب لا السلب، يقول كما من أسد خبيث النفس دنى الهمة وأنت أسد من كل الوجوه لأنك شجاع رفيع الهمة طيب النفس وهذا مثل ضربه لسائر الملوك وأراد أرواحهن أرواح كلاب فحذف المضاف
ويا آخذاً من دهره حق نفسهِ ... ومثلك يعطى حقهُ ويهابُ
يعني أن الأيام لا تق ر على أ، تنقصه حقه لأنه يغلبها ويحكم عليها ومثله يهاب ويعطى حقه
لنا عند هذا الدهر حق يلطهُ ... وقد قل إعتاب وطال عتابُ
يلطه يدفعه ويمطل به وكل شيء سترت دونه فقد لططته يقول لنا عند الزمان حق يدافعه ولا يقضيه وطال العتاب معه فلم يعتب ولم يرضنا بقضاء الحق
وقد تحدث الأيام عندك شيمةً ... وتنغمر الأوقات وهي يبابُ
يقول الأيام تغير عادتها عندك فترضى المعاتب وتصالح ذوي الفضل فلا تقصد مساءتهم لحصولهم في ذمتك وجوارك والأوقات تصير عامرةً لهم بأن يدركوا مطلوبهم والمعنى أن أظفرتني الأيام بمطلوبي عندك فلا عجب لها فإنها تحدث شيمةً غير شيمتها خوفا منك وهيبةً لك واليباب الخراب الذي لا أحد به أنشد أبو زيد، قد أصبحت وحوضها يبابُ، كأنها ليست لها أربابُ،
ولا ملك إلا أنت والملك فضلةٌ ... كأنك سيف فيه وهو قرابُ