شبهها بشعاع الشمس في قربه من الطرف وبعده من القبض عليه كما قال ابن عيينة، وقلت لأصحابي هي الشمس ضوءها، قريب ولكن في تناولها بعد، وقال الطرماح، هي الشمس لما أن تغب ليلها، وغارت فما تبدو لعين نجومها، تراها عيون الناظرين إذا بدت، قريباً ولا يسطيعها من يرومها، وقال بشار، أو كبدر السماء غير قريب، حين يوفى والضوء فيها اقتراب، وقال الآخر أيضا، هي الشمس مطلعها في السماء، فعز الفواد عزاء جميلا، فلن تستطيع إليها الصعود، ولن تستطيع إليك النزولا،
[مرت بنا بين تربيها فقلت لها ... من أين جانس هذا الشادن العربا]
[فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى ... ليث الشرى وهو من عجل إذا انتسبا]
استضحك مثل ضحك كقولهم استعجب بمعنى عجب واستسخر بمعنى سخر ويروى استضحكت بضم التاء وليس بصحيح يقول كما إن المغيث يرى كأنه أسد وهو مع ذلك من عجل كذلك أنا أرى كالظبي وأنا عربية
[جاءت بأشجع من يسمى وأسمح من ... أعطى وأبلغ من أملي ومن كتبا]
يقول جاءت عجل من هذا الممدوح باشجع الناس واجردهم وأبلغهم ويجوز أن يكون المعنى جاءت المرأة لما ذكرته برجل هذا وصفه
[لو حل خاطره في مقعد لمشى ... أو جاهل لصحى أو أخرس خطبا]
يقول خاطره لتوقده وقوته لو كان في زمن لمشى أو في جاهل لصحا من جهله وصار عالما أو في أخرس قدر على النطق
[إذا بدا حجبت عينيك هيبته ... وليس يحجبه ستر إذا احتجبا]
يريد أنه شديد الهيبة إذا ظهر للراءين حجبت هيبته عيونهم عن النظر إليه كما قال الفرزدق، يغضى حياء ويغضى من مهابته، فما يكلم إلا حين يبتسم، وقال أيضا، وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم، خضع الرقاب نواكس الأبصار، وقال بعض العرب، تغضي العيون إذا تبدى هيبةً، وتنكس النظار لحظ الناظر، وقال أبو نواس، إن العيون حجبن عنك بهيبة، فإذا بدوت لهن نكس ناظر، وقوله ليس يحجبه ستر يريد أن نور وجهه يغلب الستور فيلوح من ورائها كما قال، أصبحت تأمر بالحجاب لخلوةٍ، هيهات لست على الحجاب بقادر، وذكر ابن جنى تأويلين آخرين أحدهما أن حجابه قريب لما فيه من التواضع فليس يقصر أحد اراده دونه وإن كان محتجبا والآخر أنه وإن احتجب فهو كلا محتجب لشدة تيقظه ومراعاته للأمور
[بياض وجه يريك الشمس حالكة ... ودر لفظ يريك الدر مخشلبا]
هذا البيت يدل على المعنى الأول فيما قبله والمخشلب هو الخرز المعروف وليست عربية ولكنه استعملها على ما جرت به العادة ويروى مشخلبا وهما لغتان للنبط فيما يشبه الدر من حجارة البحر وليس بدر والعرب تقول له الحضض والمعنى أن نوره يغلب نور الشمس حتى ترى كأنها سوداء ولفظه احسن من الدر
[وسيف عزم ترد السيف هبته ... رطب الغرار من التامور مختضبا]
هبته تحركه واهتزازه يقول إذا مضى عزمه خضب السيف من جم الأعداء والتامور دم القلب
[عمر العدو إذا لاقاه في رهج ... أقل من عمر ما يحوى إذا وهبا]
يقول إذا لقي عدوه في غبار الحرب قصر عمر حتى يكون أقل من بقاء المال عنده إذا أخذ في العطاء
[توقه فإذا ما شئت تبلوه ... فكن معاديه أو كن له نشبا]
أراد أن تبلوه فحذف أن وبقي عملها يقول إحذره ولا تحم حوله بالمعاداة فإن أردت اختباره فكن عدوه أو مالا له فترى ما يفعل بك من الإبادة والإفناء كما قال الآخر، تظلم المال والأعداء من يده، لا زال للمال والأعداء ظلاما،
[تحلو مذاقته حتى إذا غضبا ... حالت فلو قطرت في الماء ما شربا]
حالت تغيرت وجعل المذاقة مما يقطر إتساعا أي لو كانت مما يقطر فقطرت في الماء لم يشرب
[وتغبط الأرض منها حيث حال به ... وتحسد الخيل منها أيها ركبا]
الغبطة أحسن من الحسد وجعلها للأرض لأنها وإن كثرت بقاعها فهي كالمكان الواحد لاتصال بعضها ببعضٍ والخيل ليست كذلك لأنها متفرقة فاستعمل للأرض الغبطة وللخيل الحسد والهاء في به تعود إلى حيث حل وهو في موضع نصب لأنه مفعول تغبط وأيها منصوب بركب ومعنى البيت منقول من قول الطاءي، مضى طاهر الأثواب لم تبق بقعة، غدا ثوى إلا اشتهت أنها قبر،
ولا يرد بفيه كف سائله ... عن نفسه ويرد الجحفل اللجبا