قال ابن جنى لا يعجبني قوله سواك لأنه لا يليق بشرف الفاظه ولو قال انشأك أو نحوه كان اليق قال أبو الفضل العروضي فيما املاه عليّ سبحان الله أتليق هذه اللفظة بشرف القرآن ولا تليق بلفظ المتنبي يقول الله تعالى الذي خلق فسوى وقال بشرا سوياً ثم قال فسواك فعدلك وقال ثم سواك رجلا وقال ابن فورجة نهاية ما يقدر عليه الفصيح أن يأتي بألفاظ القرآن والفاظ الرسول أن ألفاظ الصحابة بعده ثم عدّ الأيات التي ذكرناها قال وعند أبي الفتح أنه يقدر على تبديل الفاظ هذا الشعر بما هو خير منه وقرأت على أبي العلاء المعري ومنزلته في الشعر ما قد علمه من كان ذا أدب فقلت له يوما في كلمةٍ ما ضر أبا الطيب لو قال مكان هذه الكلمة كلمة أخرى أوردتها فأبان لي عوار الكلمة التي ظننتها ثم قال لي لا تظنن أنك تقدر على إبدال كلمةٍ واحدةٍ من شعره بما هو خير منها فجرب إن كنت مرتابا وها أنا أجرب ذلك منذ العهد فلم أعثر بكلمة لو ابدلتها بأخرى كان اليق بمكانها وليجرب من لم يصدق يجد الأمر على ما أقول.
وقال يمدح أبا أيوب أحمد بن عمران
[سرب محاسنه حرمت ذواتها ... داني الصفات بعيد موصوفاتها]
يريد بالسرب جماعة النساء يقول هو أي سربٌ حرمت ذوات محاسنه وذوات محاسن السرب هن السرب وكأنه قال هو أي سرب حرمته أي حيل بيني وبينه وهو داني الصفات لأن الوصف قول وهو قادر عليه متى أراده إلا أن الموصوف بهذه الصفة وهو السرب بعيد فكأنه يقول هذا السرب بعيد مني وذكره حاضر واضاف ذوات إلى المضمر ولا يجوز ذلك عند سيبويه البتة وأصحابه لا يجيزون أن تقول هذا رجل ضربت ذاه أي صاحبه وأجاز ذلك أبو العباس المبرد.
أوفى فكنت إذا رميت بمقلتي ... بشراً رأيت ارق من عبراتها
أي اشرف السرب على مكان عالٍ لما سرن ويجوز أن يريد علون في هوادجهن للمسير والبشر جمع البشرة وهي ظاهر الجلد أي إذا وقع بصري على بشرتها رأيت ارق والطف من عبرات المقلة ويجوز أن يكون الضمير للبشر وأراد بالعبرات عرقهن الذي يسيل منها ويكون فيها اشارة إلى انهن قد عرقن من الإعياء وروى الخوارزمي نشزاً وهو ما ارتفع من الأرض يقول إذا نظرت إلى النشر الذي أوفى عليه السرب رأيته لطول البعد في صورة السراب والسراب أرق من العبرات والضمير للمقلة.
[يستاق عيسهم أنيني خلفهم ... تتوهم الزفرات زجر حداتها]
يقال ساقه واستقاه والمعنى أن الإبل تظن زفراتي لشدتها أصوات الحداة فسائها أنيني وزفرتي.
[وكأنها شجر بدا لكنها ... شجر جنيت الموت من ثمراتها]
العرب تشبه الأبل المرحولة عليها هوادجها بالنخل والشجر والسفن كل ذلك قد جاء في اشعارهم وروى ابن جنى بلوت المر من ثمراتها قال وهو من قول أبي نواس، لا أذود الطير عن شجرٍ، قد بلوت من ثمره، واراد أنها سارت بالأحبة وكانت سبب فراقن وهو المر الذي جناه منها.
لا سرت من إبلٍ لو أني فوقها ... لمحت حرارة مدمعي سماتها
يريد حرارة عينيه في البكاء وجمع الحزن يكون سخينا حارا ولهذا يقال في الدعاء على الإنسان اسخن الله عينيه أي أبكاه وجدا وحزنا حتى تسخن عينه وقال ابن جنى أراد حرارة ذي مدمعي يعني الدمع فحذف المضاف لأن المدمع مجرى الدمع من العين دعا على تلك الإبل بأن لا تسير ثم ذكر أنه لو كان فوقها لمحت سماتها حرارة دموعه ومعنى لمحت محت اللام الذي فيه لمكان لو
[وحملت ما حملت من هذي المها ... وحملت ما حملت من حسراتها]
هذا دعاء يقول كنت حامل ما حملته من هؤلاء النسوة وكنت حاملة ما حملته من حسرات فراقهن.
[إني على شغفي بما في خمرها ... لأعف عما في سراويلاتها]
قال ابن عباد كانت الشعراء تصف المآزر تنزيها لالفاظها عما يستشنع ذكره حتى تخطا هذا الشاعر المطبوع إلى التصريح وكثير من العهر احسن من هذا العفاف وسمعت أبا الفضل العروضي يقول سمعت أبا بكر الشعراني يقول هذا ما غير عليه الصاحب وكان المتنبي قد قال لأعف عما في سرابيلاتها جمع سربال وهو القميص وكذا رواه الخوارزمي يقول أنا مع حبي لوجوههن أعف عن أبدانهن.
وترى المروة والفتوة والأب ... وة في كل مليحةٍ ضراتها