يعني حصل له من التجربة ما يعرف به ما يأتي فيما يستقبل من الزمان فكأنه أفنى الزمان لنه لا يحدث عليه شيئا لا يعرفه
[ومخيب العذال مما أملوا ... منه وليس يرد كفا خائبا]
ذكر الكف وأراد العضو
[هذا الذي أبصرت منه حاضرا ... مثل الذي أبصرت منه غائبا]
حاضرا وغائبا حال للمخاطب أو للمتنبي إذا قلت ابصرت يعني أنه حضره أو غاب عنه يرى عطاءه حيثما كان وابن جنى يجعل الحاضر والغائب حالا للممدوح يقول حضر أو غاب فأمره في الشرف والكرم واحد وما بعد هذا البيت يدل على خلاف ما قاله وهو
كالبدر من حيث التفت رأيته ... يهدي إلى عينيك نوراً ثاقبا
أي حيثما كنت ترى عطاءه كما ترى ضوء البدر حيثما كنت من البلاد
كالبحر يقذف للقريب جواهراً ... جوداً ويبعث للبعيد سحائبا
[كالشمس في كبد السماء وضوءها ... يغشى البلاد مشارقا ومغاربا]
يريد عموم نفعه للبعيد والقريب وهذه الأبيات كقول الطاءي، قريب الندى نائي المحل كأنه، هلال قريب النور نائي منازله، ومثله للبحتري، كالبدر أفرط في العلو وضوءه، للعصبة السارين جد قريب، وقال العباس أيضا، نعمة كالشمس لما طلعت، ثبت الإشراق في كل بلد، وقال أيضا البحتري، عطاء كضوء الشمس عم فمغرب، يكون سواء في سناه ومشرق،
[أمهجن الكرماء والمزري بهم ... وتروك كل كريم قوم عاتبا]
أي تهجنهم لنقصنهم عن بلوغ كرمك وتتركهم عاتبين عليك لما يظهر من كرمك المزري بهم أو عاتبين على أنفسهم حيث لم يفعلوا ما فعلت وقد فسر هذا البيت بما بعده
[شادوا مناقبهم وشدت مناقبا ... وجدت مناقبهم بهن مثاليا]
أي لفضل مناقبك على مناقبهم صارت مناقبهم كالمثالب كما قال الطاءي، محاسن من مجد متى يقرنوا بها، محاسن اقوام تكن كالمعائب،
[لبيك غيظ الحاسدين الراتبا ... إنا لنخبر من يديك عجائبا]
اظهر الإجابة اشارة إلى أنه بنداه مناد والراتب المقيم الثابت يقول أنت غيظ لهم دائم
[تدبير ذي حنك يفكر في غد ... وهجوم غر لا يخاف عواقبا]
الحنك جمع حنكة وهي التجربة وجودة الرأي أي لك في الأمور تدبير مجرب يتفكر في العواقب وإذا هجمت هجمت هجوم الغر والمعنى أنه يفعل كلا في موضعه ونحو ذا قال الطاءي، ومجربون سقاهم من بأسه، فإذا لقوا فكأنهم أغمار، وقوله أيضا، كهل الأناة فتى الشداد إذا غدى، للحرب كان الماجد الغطريفا، وقال ايضا البحتري، ملك له في كل يوم كريهة، إقدام غر واعتزام مجرب،
[وعطاء مال لو عداه طالب ... أنفقته في أن تلاقي طالبا]
عداه تجاوزه يقول لو لم يأتك طالب انفقت مالك في لقاء طالب
[خذ من ثناي عليك ما أسطيعه ... لا تلزمني في الثناء الواجبا]
يقول سامحني في الثناء عليك فإني لست أقدر أن أثني عليك بقدر استحقاقك ثم ذكر عذره فقال
[فلقد دهشت لما فعلت ودونه ... ما يدهش الملك الحفيظ الكاتبا]
يقال دهش الرجل إذا تحير فهو مدهوش وأدهش غيره كما يقال حم الرجل وأحمه الله وزكم وأزكمه الله يقول لقد تحيرت في افعالك فلا أقدر أن أصفها وأثنى عليك بها وأقل من ذلك ما يدهش الملك الموكل بك لنه لم ير مثله من بنى آدم ولأنه لكثرته يعجز عن كتابته وقال يمدح عمر بن سليمان الشرابي وهو يومئذ يتولى الفداء بين الروم والعرب
نرى عظماً بالبين والصد أعظم ... ونتهم الواشين والدمع منهم
يقول نستعظم البين والصدود أعظم منه لان البين يقرب بقطع المسافة ومسافة الصدود لا يمكن تقريبها ونتهم الوشاة في إذاعة سرنا والجمع منهم لنه يفشى السر ويروى بالصد والبين أعظم لأنه يحتاج فيه إلى قطع مسافة والمعرض عنك يكون معك في البلد
[ومن لبه مع غيره كيف حاله ... ومن سره في جفنه كيف يكتم]
يعني قلبه أسير غيره وهو دائم البكاء فالدمع يظهر سره
[ولما التقينا والنوى ورقيبنا ... غفولان عنا ظلت أبكى وتبسم]
معناه أن الرقيب والبعد في غفلة عنا وقفت أبكى أسفا وهي تضحك هزأً وعجبا
فلم أر بدراً ضاحكا قبل وجهها ... ولم تر قبلي ميتاً يتكلم
ظلوم كمتنيها لصبٍ كخصرها ... ضعيف القوى من فعلها يتظلم