قال ابن فورجة الهتك مصدر فعل متعد ولو أتى بمصدر لازم كان أقرب إلى الفهم كأنه قال انتهاكها ولكنه راعى الوزن وقوله ومسيرها مبتدأ معطوف على قلق وخبره محذوف للعمل به كأنه يقول ومسيرها بالليل هتك لها أيضا غذ كانت ذكاء ومثل هذا المعنى كثير في شعر المحدثين وقوله وهي مسك زيادة على كثير من الشعراء إذ لم يجعل هتكها من قبل الطيب الذي استعملته بل جعل نفسها مسكا وكأنه من قول امرء القيس، وجدت بها طيبا وإن لم تطيب، وقال آخر، وتوق الطيب ليلتنا، إنه واشٍ إذا سطعا، هذا كلامه ويريد بالقلق حركتها وخروجها والواو في وهي مسك وهي ذكاء للحال وذكاء اسم للشمس معرفة لا تنصرف وهو مثل خضارة وأسامة وهنيدة وشعوب ومن هذا المعنى قول البحتري، وحاولن كتمان الترحل بالدجى، فنم بهن المسك حتى تضوعا، وقوله أيضا، وكان العبير بها واشياً، وجرس الحلي عليها رقيبا، وقول آخر، فأخفوا على تلك المطايا مسيرهم، فنم عليهم في الظلام التبسم، وزاد أبو المطاع بن ناصر الدولة على الجميع في قوله، ثلاثة منعتني من زيارتها، وقد دجا الليل خوف الكاشح الحنق، ضوء الجبين ووسواس الحلي وما، يفوح من عرق كالعنبر العبق، هب الجبين بفضل الكم تستره، والحلي تنزعه من الشأن في العرق،
[أسفي على أسفي الذي دلهتني ... عن علمه فبه على خفاء]
يقول إنما اتأسف على أنك شغلتني عن معرفة الأسف حتى خفى عليّ ما الأسف لأنك أذهبت عقلي وإنما تعرف الأشياء بالعقل والمدله الذي ذهب عقله والمعنى إني أحزن لذهاب عقلي لما لقيت في هواك من الشدة والجهد
[وشكيتي فقد السقام لأنه ... قد كان لما كان لي أعضاء]
الشكية كالشكاية يقول إنما اشكو عدم السقم لأن السقم إنما كان حين كانت لي أعضاء يحلها السقم فأحسه بأعضاءي فإذا ذهب بالإعضاء الجهد الذي اصابني في هواك لم يبق محل يحله السقم قد بين هذا المعنى أبو الفتح البستي في قوله، ولو أبقى فراقك لي فوادا، وجفناً كنت أجزع من سهاد، ولكن لا رقاد بغير جفن، كما لا وجد إلا بالفواد،
[مثلت عينك في حشاي جراحة ... فتشابها كلتاهما نجلاء]
يقول لما نظرت إليّ صورت في قلبي مثال عينك جراحة تشبه عينك في السعة ولم يقل تشابهتها حملا على المعنى كأنه قال فتشابه المذكوران أو الشيئان أو ذهب بالعين إلى العضو وبالجراحة إلى الجرح كما قال، إن السماحة والمروة ضمنا، قبراً بمرو على الطريق الواضح، فذهب بالسماحة إلى السخاء وبالمروة إلى الكرم ولم يقل نجلاوان كان لفظ كلتا واحد مؤنث كقوله عز وجل كلتا الجنتين أتت أكلها
نفذت عليَّ السابري وربما ... تندق فيه الصعدة السمراء
السابري الثوب الرقيق يقول نفذت عينك من ثوبي إلى قلبي فجرحته، وربما كان الرمح يندق فيه أي لا يصل إليّ ويندق قبل وصوله إليّ كما ذكرنا في قوله، طوال الردينيت يقصفها دمي، لأن هيبته في القلوب تمنع من نفوذ الرمح في قميصه ولأن الشجاع موقى ويجوز أن يريد بالسابري الدرع فيكون المعنى نفذت نظرتك الدرع إلى قلبي يريد أن الدرع لم تحصنه من نظرتها وهي تحصنه من الرمح
[أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت ... وإذا نطقت فإنني الجوازء]
يقول إذا زوحمت لم يقدر على ازالتي عن موضعي كهذه الصخرة التي رسخت فلا تزول عن موضعها وإذا نطقت كنت في علو المنطق الجوزاء يريد أن كلامه علويّ ويقال أن الجوزاء بنت عطارد يقول مني يستفاد البراعات ويقتبس الفضل كما أن الجوزاء تعطى من يولد فيها البراعة والنطق
[وإذا خفيت على الغبي فعاذر ... أن لا تراني مقلة عمياء]
يقول إذا خفى مكاني على الجاهل فلم يعرف قدري ولم يقر بفضلي فأنا عاذر له لأن الجاهل كالأعمى والمقلة العمياء إن لم ترني كانت في عذر من عماها كذلك الجاهل
شيم الليالي أن تشكك ناقتي ... صدري بها أفضى أم البيداء