قد كنت أحذر بينهم من قبلهِ ... لو كان ينفع حائنا أن يحذرا
ولو استطعت إذا اغتدت روادهمْ ... لمنعتُ كل سحابةٍ أن تقطرا
يقول لما بعثوا الرواد لطلب الكلاء والماء لو قدرت لمنعت السحاب أني مطر لئلا يجدوا ماء وكلاء يرتحلون إليهما للانتجاع
فإذا السحاب أخو غرابِ فراقهمْ ... جعل الصياح ببينهم أن يمطروا
هذا كلام فيه حذف لا يتم المعنى دون تقديره كأنه قال لمنعت كل سحابة أن تمطر لأني تأملت الحال فإذا السحاب الذي هو أخو الغراب في التفريق بعدم عنا جعل السحاب أخا الغراب لأنه سبب الافتراق عند الانتجاع وتتبع تساقط الغيث في الربيع كعادة أهل العير السيارة ولما جعله أخا الغراب جعل المطر كصياح الغراب كما أن صياح الغراب سبب للافتراق على زعمهم كذلك سقوط الغيث من السحاب سبب للارتحال في تتبع الغيث والسحاب في قوله فإذا السحاب مبتدأ وأخو غراب فراقهم نعت له والخبر في قوله جعل الصياح
وإذا الجمائل ما يخدن بنفنفٍ ... إلا شققن عليه ثوبا أخضرا
الجمائل جمع جمالة وهي الجمال الكثيرة وروى ابن جنى الحمائل بالحاء جمع حمولة وهي الإبل يخمل عليها والنفنف الأرض الواسعة يقول إذا سارت الركاب في أرض وهي مخضرة بالكلاء بدت عليها آثار سيرها فكأنها شقت ثوبا أخضر والمعنى أنهم فارقونا أيام الربيع عند خضرة النبات
يحملن مثل الروض إلا أنها ... أسبى مهاةً للقلوب وجوذرا
يقول هذه الركاب تحمل من الهوادج ومراكب النساء التي زينت بالأنماط مثل الروض في تلون أزهارها إلا أن ما تحمله الركاب من مهاها وجؤذرها أسبى لقلوب الرجل من مها الرياض وجآذرها وروى ابن جنى إلا أنه كنايةً عن المثل والناس يروون أنها لان مثل الروض روٌ
فبلحظها نكرت قناتي راحتي ... ضعفاً وأنكر خاتماي الخنصرا
بلحظها أي بنظري إليها أضاف المصدر إلى المفعول يقول بسبب نظري إليها صرت ضاويا مهزولا حتى أنكرت قناتي يدي وخاتمي خنصري ضعفا وقلة لحم
[أعطى الزمان فما قبلت عطاءه ... وأراد لي فأردت أن أتخيرا]
يقول لم أقبل عطاء الزمان ترفعا وبعد همة أي أردت عطاءك دون عطاء الزمان وأراد الزمان لي أن أقصد سواك فأردت اختيارك والمعنى أن الزمان أراد أن يسترقني بإحسانه فأبيت ذلك واخترتك على الزمان فأنك إذا ملكتني ملكتُ الزمان بما فيه
أرجان أيتها الجيادُ فإنهُ ... عزمي الذي يذرُ الوشيج مكسرا
هو أرجان مشددة الراء اسم بلد بفارس إلا أنه خفف لأنه اسم عجمي يقول لخيله اقصدي هذه البلدة فأني عزمت على قصدها بعزم قوي يكسر الرماح بقوته والمعنى أن الرماح لا تعوقني عن هذه العزيمة
لو كنت أفعل ما اشتهيت فعالهُ ... ما شق كوكبك العجاج الأكدرا
يقول لخيله لو فعلت ما تريدين ما ركضتك في الغبار المظلم يعني أن الخيل تريد الجمام والراحة وهو يتبعها في الأسفار وكوكب الخيل جماعتها المجتمعة
أمي أبا الفضلِ المبر أليتي ... لأيممن أجل بحرٍ جوهرا
أي أقصدي هذا الممدوح الذي يبر قسمي إذا أقسمت أن اقصد أجل البحار جوهرا أي إذا قصدته برت يميني
[أفتى برؤيته الأنام وحاش لي ... من أن أكون مقصرا أو مقصرا]
يقول افتاني الناس كلهم في إبرار هذه اليمين برؤيته وقصده وأعوذ بالله أن أقصر في إبرار هذا القسم أو أقصر عنه فإني إذا فعلت ذلك كنت شاقا لعصا الإجماع لن الإجماع على أن قسمي لا تبر إلا برؤيته يقال قصر عن الشيء إذا تركه عجزا وأقصر عنه إذا تركه قادرا عليه
صغت السوار لأي كفٍّ بشرتْ ... بابنِ العميد واي عبدٍ كبرا
يقول أي كف أشارت إلى ابن العميد فبشرتني به فلها عندي السوار وكذلك أي عبد من عبيدي كبر عند وقوع بصره على بلده وعلى داره سرورا ببر قسمي
إن لم تغثني خيله ورماحهُ ... فمتى أقود إلى الأعادي عسكرا
هذه إشارة إلى أنه يمده بالمال والعبيد فيقدر بذلك على محاربة الأعداء وعادة المتنبي طلب الولايات ممن يمدحه لا طلب الصلات
بأبي وأمي ناطق في لفظهِ ... ثمن تباع به القلوب وتشترى