يقول من الذي لم يعشق الدنيا فيما قدم من الزمان أي كل من الناس يهواها ولكن لا سبيل إلى دوام وصالها وهذا من باب حذف المضاف وكثير من عشاقها وأصلها وواصلته ولكنها لا تدوم على الوصال ورواه الخوارزمي إلى وصال
[نصيبك في حياتك من حبيب ... نصيبك في منامك من خيال]
يقول الحبيب الذي تراه في اليقظة وتستمتع به كأنك تراه في الحلم لأن ذلك الوصال ينقطع عن قريب بالموت كما ينقطع الاستمتاع بخيال الحبيبة عند الانتباه جعل العمر كالمنام والموت كالانتباه من المنام كما قال الطائي، ثم انقضت تلك السنون وأهلها، فكأنها وكأنهم أحلام،
[رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاء من نبال]
يقول كثرت مصيبات الدهر علي واصابته قلبي بسهامه حتى صار في غلاف من السهام لتواليها عليه
[فصرت إذا أصابتني سهام ... تكسرت النصال على النصال]
أي وقد صرت الآن إذا رماني الدهر بسهامه لم تصل إلى قلبي لأنها لا تجد لها موضعا للإصابة بل تتكسر نصالها على النصال التي قبلها لأنها تصك بعضها بعضا وهذا تمثيل معناه أن الأرزاء توالت علي حتى هانت عندي والشيء إذا كثر اعتاده الإنسان وقد صرح بهذا فقال
[وهان فماابالي بالرزايا ... لأني ما انتفعت بأن أبالي]
يقول هان الدهر علي فلا احفل بمصائبه علما بأنه لا ينفع الحذر ولا المبالاة كما قال الخريمي، صبرت فكان الصبر خير مغبة، وهل جزع أجدى علي فأجزع، ويروي وها أنا ما أبالي
[وهذا أول الناعين طرا ... لأول ميتة في ذا الجلال]
يقول هذا الناعي أول الناعين جميعا لأول امرأة كانت في هذا الجلال يعني لم تمت امرأة قبلها أجل منها وروى ابن جنى لأول ميتة بفتح الميم يريد ميتة فخففت قال ابن فورجة الميتة كثر استعمالها بمعنى الجيفة كقوله تعالى حُرمت عليكم الميتة ولا يخاطب أبو الطيب سيف الدولة بمثل هذا في أمه والرواية بكسر الميم يعني الحال التي ماتت عليها وهذا الذي ذكره ابن فورجة غير ظاهر لأنه أراد أول الأموات ولم يرد أول الأحوال
[كأن الموت لم يفجع بنفس ... ولم يخطر لمخلوق ببال]
يستعظم موت هذه المرأة حتى كأن الناس لم يروا موتا ولم يخطر على قلب أحد وموت الكبراء يعظم عند الناس مع فشوّ الموت وعمومه
[صلوة الله خالقنا حنوط ... على الوجه المكفن بالجمال]
صلوة الله مغفرته ورحمته يدعو لها بأن تكون رحمة الله لها بمنزلة الحنوط للميت وجعل وجهها مكفنا بالجمال كأن الجمال كفن لوجهها وكأنه رحم الله وجهها الجميل
[على المدفون قبل الترب صونا ... وقبل اللحد في كرم الخلال]
أي على الشخص الذي كان مدفونا لصيانته قبل أن دفن في التراب وقبل أن غيب في اللحد كان مدفونا في كرم الخلال وهي الخصال الكريمة يريد أنها كانت مستورة قبل أن سترت بالتراب وكان كرم خلالها يعفها ويمنعها مما يقبح ذكره قبل أن حملت إلى اللحد
[فإن له ببطن الأرض شخصا ... جديدا ذكرناه وهو بالي]
بطن الأرض داخلها يقول شخصه في القبر بال وذكرنا له جديد يريد أنه يبلى في الأرض ولا يبلى ذكره
[وما أحد يخلد في البرايا ... بل الدنيا تؤول إلى زوال]
[أطاب النفس أنك مت ... موتا تمنته البواقي والخوالي]
أي مت في العز والعفاف فموتك كان موتا يتمنى مثله من بقي من النساء ومن مضت منهن كانت تتمنى مثله فهذا يسلينا عنك لأنك فزت بخير الدنيا والآخرة
[وزلت ولم ترى يوما كريها ... تسر الروح فيه بالزوال]
أي فارقتنا من غير لقاء كراهة تحبب الموت إليك وتنغص عيشك حتى تسر الروح بفراق البدن في مثل تلك الكراهة
[رواق العز فوقك مسبطر ... وملك علي ابنك في كمال]
يقول كنت في عز طويل وكمال ملك من ملك ابنك قال الصاحب ذكره الاسبطرار في مرثية النساء من الخذلان المبين قال ابن فورجة ولا خذلان فيما صح واستعمل كثيرا يريد أن الاسبطرار بمعنى الامتداد يستعمل كثيرا قال عمر ابن معدي كرب، جداول زرع خليت واسبطرت، سمعت أبا الفضل العروضي يقول سمعت أبا بكر الشعراني خادم المتنبي ورد علينا فقرأنا عليه شعره فانكر هذه اللفظة وقال قرأنا على أبي الطيب، رواق العز فوقك مستظل، قال العروضي وإنما غيره عليه الصاحب ثم عابه به وعلى هذا فقد سقط ثقل اللفظ وكراهة المعنى