يا أكرم الناس في الفعال ... وأفصح الناس في المقالِ
إن قلت في ذا البخور سوقا ... فهكذا قلت في النوالِ
قلت ههنا بمعنى اشرت قال بكمه أي اشار وقال برأسه نعم أي أشار والمعنى إن اشرت في البخور تسوقه إليّ سوقا فهكذا قلت وفعلت في العطاء وحدث أبو محمد عن مسيرهم بالليل لكبس بادية وإن المطر قد اصابهم فقال
غير مستنكرٍ لك الإقدامُ ... فلمن ذا الحديث والإعلامُ
قد علمنا من قبل أنك من لا ... يمنع الليل همه والغمامُ
وقال أيضا وهو عند طاهر العلويّ
[قد بلغت الذي أردت من الب ... ر ومن حق ذا الشريف عليكا]
[وإذا لم تسر إلى الدار في وقت ... ك ذا خفت أن تسير إليكا]
وهمّ بالنهوض فأقعده فقال
[يا من رأيت الحليم وغدا ... به وحر الملوك عبدا]
[مال على الشراب جدا ... وأنت للمكرمات أهدا]
[فإن تفضلت بانصرافي ... عددته من لديك رفدا]
أي المتنبي لا ينصرف ما لم يصرف فتفضله بالصرف في تفضل بالإنصراف وذكر أبومحمد أن أباه استخفى مرى فعرفه يهودي فقال
لا تلومن اليهوديَّ على ... أن يرى الشمس فلا ينكرها
[إنما اللوم على حاسبها ... ظلمة من بعد ما يبصرها]
وسئل عما اترجل من الشعر فاعاده فتعجبوا من حفظه فقال
إنما أحفظ المديح بعيني ... لا بلقبي لما أرى في الأميرِ
يقول لا احتاج إلى حفظه بالقلب لأني اشاهد بالعين ما امدحه به وهو قوله
من خصالٍ إذا نظرت إليها ... نظمت لي غرائب المنثورِ
يقول عيني تنظم فضائلك لإدراكها إياها عينا لا قلبي.
قال وقد حدث جليس له لأبي محمد بن عبيد الله عن قتلى هاله أمرهم ومنظرهم
أباعث كل مكرمةٍ طموحِ ... وفارس كل سلهبةٍ سبوحِ
يريد أنه يحيى كل مكرمةٍ ممتنعة على غيره وإنه لا يركب إلا كل فرسٍ طويلة تسبح في جريها
وطاعن كل نجلاء غموسٍ ... وعاصى كل عذالٍ نصيحِ
يريد وطاعن كل طعنةٍ واسعة تغمس صاحبها المطعون في الدم وعاصي كل من يعذلك في الجود والشجاعة
سقاني الله قبل الموت يوما ... دم الأعداء من جوف الجروحِ
وأطلق الباشق على سماناةٍ فأخذها فقال
أمن كل شيء بلغت المرادا ... وفي كل شأوٍ شأوت العبادا
[فماذا تركت لمن لم يسد ... وماذا تركت لمن كان سادا]
أي لم يبق شيئا من أسباب السيادة إلا وقد جمعتها فلم تترك منها شيئا يختص به من لم يسد أو ساد من قبل
[كأن السماني إذا ما رأتك ... تصيدها تشتهي أن تصادا]
أي لتفخر بقربك والسماني يكون واحدا وجمعا كالحبارى.
واجتاز أبو محمد ببعض الجبال فأثار الغلمان خشفا فالتقفته الكلاب فقال أبو الطيب
[وشامخ من الجبال أقود ... فرد كيافوخ البعير الأصيد]
الشامخ العالي والأقود المنقاد طولا يريد أن هذا الجبل يمتد في الهواء وفيه إعوجاج فشبهه بيافوخ البعير الاصيد لعلوه واعوجاجه والاصيد البعير الذي في عنقه اعوجاج من دائه
[يسار من مضيقه والجلمد ... في مثله متن المسد المعقد]
أي يسار من هذا الجبل في طريق ضيق يلتوي عليه كأنه ما بين قوى المسد في التوائه واعوجاجه
[زرناه للأمر الذي لم يعهد ... للصيد والنزهة والتمرد]
قال ابن جنى إنما قال لم يعهد لان الأمير مشغول بالجد والتشمير عن اللهو واللعب قال ابن فورجة يريد انه لم يعهد لهوه وروايتي بفتح الياء يعني ان الشامخ لم يعهد الصيد فيه لعلوه وارتفاعه ولم يقدر على وحشه إلا هذا الأمير ألا ترى انه وصفه بالارتفاع ووعورة الطريق هذا كلامه ويجوز على رواية من ضم الياء ان الصيد لم يعهد بهذا الجبل فيكون المعنى كما ذكر ابن فورجة والتمرد طغيان النشاط
بكل مسقى الدماء أسودِ ... معاودٍ مقودٍ مقلد
أي بكل كلب يسقى دم ما يصيده أسود في لونه معاودٍ يعاود الصيد ويتكرر عليه مقودٍ جعل له مقود يقاد به إلى الصيد مقلد من القلادة
[بكل ناب ذرب محدد ... على حفافي حنكك كالمبرد]
أي معاود للصيد بكل ناب ذرب أي حاد والحفافان الجاذبان وشبه حنكه بالمبرد للطرائق التي فيه
[كطالب الثار وإن لم يحقد ... يقتل ما يقتله ولا يدى]
أي كأنه يطلب نارا من الصيد وان لم يكن له عليه حقد