وفي الأحباب مختصٌ بوجدٍ ... وآخر يدعى معه اشتراكا
أي يشتبه حال الأحباب ففيهم من يكون حزينا مخصوصا بوجدٍ وقد يكون فيهم من يدعي الاشتراك في الوجد ولا يكون لدعواه حقيقةٌ وإنما يعني أنه غير مدخول المحبة بل هو صحيح الموالاة ليس كمن يدعي الأشتراك من غير حقيقةٍ
إذا اشتبهت دموعٌ في خدودٍ ... تبين من بكى ممن تباكا
أذمت مكرماتُ ابي شجاعٍ ... لعيني من نواي على أولاكا
روى ابن جنى وابن فورجة نواي بالنون قال ابن جنى أي منعت مكرماته عيني أن تجري منها دموع كاذبةٌ وأختار البعد عنه والمقام دونه وقال ابن فورجة يريد أن مكرمات ابي شجاع تذم لعيني على أهلي الذين اقصدهم من نواي عنك أي أشتهي ابدا ملازمتك والبعد عن اولئك فيكون الذمام إذن على اهله لعينه وهم الخائفون من نوى أبي الطيب وهذا كما تقول أذم لهند على عاشقها من الوصول إليها لزومها البصرة أي لها ذمام من الوصول إليها ما دامت بالبصرة على عاشقها فعاشقها لا يصل إليها ما دامت هناك هذا الذي حكيت كلامهما ولم يظهر معنى البيت ببيانهما ومعنى أذم له على فلان إذا منعه منه واجاره عليه كما قال، هم ممن اذم لهم عليه، كريم العرقِ والنسبُ النضارُ، أي منعهم منه يقول مكرماته منعت عيني وعقدت لها عقدا على أهلي من فراق عضد الدولة ويكون على من صلة أذمت وروى من ثواي مقصور الثواء بمعنى المقام والمعنى مكرماته اذمت لعيني من المقام عليهم أي عقدت لعيني عقدا يؤمنها من النظر إلى اؤلئك يريد أنها قصرتها على عضد الدولة فلا تنظر إلى غيره وعلى يكون من صلة الثواء
فزل يا بعد عن أيدي ركابٍ ... لها وقع الأسنة في حشاكا
يقول للبعد تنح عن أيدي هذه المطايا فإنها تقطعك كما تقطع الأسنة الحشا
وأيا شئت يا طرقي فكوني ... أذاةً أو نجاةً أو هلاكا
هذا كلام ضجر يقول لطريقه كوني كيف شئت فإني لا أبالي وإن كان الهلاك في سلوكك
فلو سرنا وفي تشرين خمسٌ ... رأوني قبل أن يروا السماكا
هذا كلام فيه حذف وتقديم وتأخير وتقديره فلو سرنا في تشرين وقد مضت منه خمس ليال وإذا أخل الحذف بالكلام ولم يظهر المعنى لم يجز والسماك يطلع لخمسٍ خلون من تشرين الأول وهذا مبالغة في ذكر سرعة السير والرجوع إلى أهله يقول لو أخذت في السير وأخذ السماك في الطلوع لسبقته بالطلوع عليهم وهم بالكوفة كأنه قال اسبق النجم بسرعة السير
[يشرد يمن فناخسر عني ... قنا الأعداء والطعن الدراكا]
وألبس من رضاه في طريقي ... سلاحاً يذعر الأبطال شاكا
يقول رضاه لي بمنزلة السلاح الذي يخوف الأبطال ويقال سلاح شاك بمعنى شائك أي ذو شوك وهذا كما يقال كبش صاف ويوم طان على حذف العين ومنه قول مرحب اليهودي، شاك السلاح بطلٌ مجربُ،
[ومن أعتاض منك إذا افترقنا ... وكل الناس زور ما خلاكا]
هذا كقول عمران ابن حطان، أنكرت بعدك من قد كنت أعرفه، ما الناس بعدك يا مرداسُ بالناس، ومثله لأبي الطيب، إنما الناس حيث أنت البيت
[وما أنا غير سهم في هواء ... يعود ولم يجد فيه امتساكا]
يقول أنا في الخروج من عندك وقلة اللبث في أهلي كالسهم يرمي به الهواء فيذهب وينقلب إلى الرمي سريعا قال ابن جنى لم يقل في سرعة الأوبة وتقليل اللبث هكذا في المبالغة هذا كلامه والبيت مدخول ولم يعرف ابن جنى وجه فساده وهو أن كل سهم رمى به فهو في هواء ولا يعود إلى ما عولي منه ولم يذكر في البيت ما يدل على أنه أراد الهواء العالي
حين من إلهى أن يراني ... وقد فارقت دارك واصطفاها