للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقيت القنا عنه بنفسٍ كريمةٍ ... إلى الموت في الهيجا من العار تهربُ

يعني حاميت على الملك ودافعت عنه بنفسك هاربا من العار إلى الموت أي تختار الموت على العار

وقد يترك النفس التي لا تهابهُ ... ويخترم النفس التي تتهيبُ

قد يترك الموت من لا يهابه فيوقع نفسه في المهالك وقد يصيب الموت من يحذره ويخافه

وما عدم اللاقوك بأسا وشدةً ... ولكن من لاقوا أشد وأنجبُ

يقول لم يعدم هؤلاء الذين لقوك محاربين شجاعةً وشدةَ إقدامٍ أي كانوا شجعاء أشداء ولكن أصحابك كانوا أشد منهم وأنجب وهذا كقول زفر بن الحارث، سقيناهم كأسا سقونا بمثلها، ولكنهم كانوا على الموت أصبرا،

ثناهم وبرق البيضِ في البيضِ صادق ... عليهم وبرق البيض في البيضِ خلبُ

يقول هزمهم فصرفهم عن وجههم وبرق السيوف صادق لأنه يتبعه سيلان الدم وبرق البيض خلب لأنه تبرق ولا تسيل الدم

سللت سيوفا علمت كل خاطبِ ... على كل عودٍ كيف يدعو ويخطبُ

يقول سيوفك تعلم الخطباء الخطبة بإسمك في الدعاء لك لأنك أخذت البلاد بنفسك فصار خطيب كل بلد يخطب على إسمك

ويغنيك عما ينسبُ الناس أنه ... إليك تناهي المكرمات وتنسبُ

يقول يغنيك عن نسبة الناس إلى قبائلهم وعشائرهم إن المكرمات انتهت إليك ونسبت إليك أي لم يكن لك نسب في العرب فإنك أصل في المكارم وهذا من قول ابن أبي طاهر، خلائقهُ للمكرمات مناسبٌ، تناهى إليها كل مجدٍ مؤثلِ،

وأي قبيلٍ يستحقك قدرهُ ... معد بن عدنانٍ فداك ويعربُ

يقول أي أسرة تستحق أن تنسب إليها فأنك فوق كل أحد

وما طربي لما رأيتك بدعةً ... لقد كنت أرجو أن أراك فأطربُ

هذا البيت يشبه الاستهزاء به لأنه يقول طربت على رؤيتك كما يطرب الإنسان على رؤية القرد وما يستملحه ويضحك منه قال ابن جنى لما قرأت على أبي الطيب هذا البيت قلت له اجعلت الرجل أبا زنة فضحك لذلك

وتعذلني فيك القوافي وهمتي ... كأني بمدحٍ قبل مدحك مذنبُ

المصراع الأول هجاء صريح لولا الثاني يقول كأني قد أتيت ذنبا بمدح غيرك والقوافي تعذلني تقول لمَ لم تقصر شعرك عليه وكذلك همتي تلومني في مدح غيرك وهذا من قول الطائي، وهل كنت إلا مذنبا يوم أنتحي، سواك بآمالي فجئتك تائبا،

ولكن طال الطريق ولم أزل ... أفتشُ عن هذا الكلام وينهبُ

يعتذر إليه من مدح غيره يقول بعد الطريق بيننا ولم أزل يطلب مني الشعر وأكلف المديح وينهب كلامي

فشرق حتى ليس للشرقِ مشرقٌ ... وغرب حتى ليس للغرب مغربُ

فبلغ كلامي الشرق حتى انتهى إلى حيث لا مشرق أمامه يعني بلغ أقصاه وكذلك من جانب المغرب وهذا من قول الطائي، فغربت حتى لم أجد ذكر مشرقٍ، وشرقت حتى قد نسيت المغاربا،

إذا قلتهُ لم يمتنع من وصولهِ ... جدارٌ معلى أو خباءٌ مطنبُ

يقول إذا قلت شعرا لم يمتنع من وصوله إليه مدر ولا وبر فالجدار المعلى لأهل الحضر والخباء المطنب لأهل الوبر يذكر أن شعره قد عم الأرض كما قال، قوافٍ إذا سرن من مقولي، وثبن الجبال وخضن البحارا وبلغ أبا الطيب أن قوما نعوه في مجلس سيف الدولة بحلب فقال سنة ٣٤٨

بم التعلل لا أهل ولا وطنُ ... ولا نديمٌ ولا كأس ولا سكنُ

يشكو الزمان يقول بأي شيء أعلل نفسي وأنا بعيد عن أهلي ووطني وليس لي مما أعلل النفس به مما ذكره

أريد من زمني ذا أن يبلغني ... ما ليس يبلغه من نفسه الزمنُ

يقول اطلب من الزمان استقامة الأحوال والزمان لا يبلغ هذا من نفسه لأنه ربيع وصيف وشتاء وخريف ويجوز أن المعنى أن همته أعلى من أن يكون في وسع الزمان البلوغ إليها وهو يتمنى على الزمان أن يبلغه ما في همته ويجوز أن يريد أنه يطالب الزمان بأن يخليه من الاضداد والزمان ليس يبلغ هذا من نفسه فإن الليل والنهار كالمتضادين ويجوز أن يريد أني أقترح على الزمان الاستبقاء وهو لم ينل في نفسه البقاء فيكون قد ألم بقول البحتري، تناب النائبات إذا تناهت، ويدمر في تصرفه الدمارُ،

لا تلق دهرك إلا غير مكترثٍ ... ما دام يصحب فيه روحك البدنُ

أي ما دمت حيا فلا تبال بالزمان وصروفه ونوائبه فإنها تزول ولا تبقى والذي لا عوض منه إذا فات هو الروح فقط

<<  <   >  >>