روى ابن جنى إذا ما استحين الماء فرواه كرعن بسبت وفسر أن الإبل استحيت الماء لكثرة عرض نفسه عليها ثم قال والسبت مشافرها للينها ونقائها قال يقول إذا مرت هذه الإبل بالمياه التي غادرتها السيول فلكثرتها صارت كأنها تعرض أنفسها على الإبل فتشرب منها كأنها مستحيية منها لكثرة عرضها نفوسها عليها وإن كان لا عرض هناك ولا استحياء في الحقيقة ولكنه جرى مثلا وكرعن شربن واصله من ادخال أكارع الشاربة في الماء للشرب وجعل الموضع المتضمن للماء لكثرة الزهر فيه كأنه إناء من ورد هذا كلامه ومعنى البيت على روايته وتفسيره أنه يصف كثرة مياه الأمطار في طريقه وأنه أينما ذهب رأى الماء فكأنه يعرض نفسه على الإبل والإبل تستحي من ود الماء إذا كثر عرضه نفسه عليها فتكرع فيه بمشافر كأنها السبت والأرض قد انبتت الأزهار والأنوار فكأنها إناء لذلك الماء من الورد قال أبو الفضل العروضي ما أصنع برجل ادعى أنه قرأ هذا الديوان على المتنبي ثم يروي هذه الرواية ويفسر هذا التفسير وقد صحت روايتنا عن جماعة منهم محمد بن العباس الخوارزمي وأبو محمد بن أبي القاسم الحرضي وأبو الحسن الرخجي وأبو بكر الشعراني وعدة يطول ذكرهم رووا، إذا ما استجبن الماء يعرض نفسه، كرعن بشيب أن تترشف الإبل الماء وحكاية صوت مافرها عند شرب الماء شيب شيب ومنه قول ذي الرمة، تداعين باسم الشيب البيت هذا كلامه وليس ما قاله ابن جنى ببعيد عن الصواب والكرع في الماء بالسبت أحسن لأن مشفر الإبل يشبه في صحته ولينه بالسبت وهو جلود تدبغ بالقرظ ومنه قول طرفة، وخد كقرطاس الشآمي ومشفر، كسبت اليماني قده لم يحرد، يقول فتكرع فيه بمشافرها التي هي كالسبت وشيب صحيح في حكاية صوت المشافر عند الشرب ولكن لا يقال كرعت الإبل في الماء بشيب إذا شربته والسبت هاهنا أولى
[كأنا أرادت شكرنا الأرض عنده ... فلم يخلنا جو هبطناه من رفد]
أراد بالجو المتسع من الأرض والرفد العطاء يقول كل موضع نزلناه في طريقنا إليه أصبنا به ماء وكلأ وكأن الأرض أرادت أن نشكرها عنده تقربا إليه
[لنا مذهب العباد في ترك غيره ... وإتيانه نبغي الرغائب بالزهد]
يقول لنا في ترك غيره من الملوك وإتيانه مذهب الزهاد الذين يزهدون في الدنيا لينالوا أكثر مما تركوا وأبقى في الآخرة كذلك نحن إنما تركناهم وأتيناهم وأتيناه لعلمنا إنا نصيب منه أكثر مما نصيب من سواه فنحن نطلب الرغائب بزهدنا في غيره
[رجونا الذي يرجون في كل جنة ... بأرجان حتى ما يئسنا من الخلد]
أي رجونا عنده من النعم ما يرجو العباد في الجنة أي أنه محقق رجاء من يرجوه فلثقتنا برجائنا نرجوا ببلده ما يرجوه العباد في الدنان حتى ما يئسنا من الخلود وإنما قال هذا لانه جعل بلدته أرجان كالجنة والجنة موعودٌ فيها الخلود ولما كانت بلدته كالجنة رجونا فيها الخلود
تعرض للزوار أعناقُ خيلهِ ... تعرض وحشٍ خائفاتٍ من الطردِ
يعني أ، خيله تهاب زواره لأنه يهبُها لهم فهي كوحش خافت طردا من الصائد تتعرض لهم على خوفٍ ونفارٍ
وتلقى نواصيها المنايا مشيحةً ... ورود قطاً صمٍّ تشايحن في وردِ
يقول وتلقى المنايا خيله مجدةً مسرعةً كما ترد القطا الماء إذا أسرعت في الورود وجعلها صما كيلا تسمع شيئا تتشاغل به عن الطيران فيكون أسرع لها ومنه قول ذي الرمة، ردي ردي ورد قطاةٍ صمآ، كدريةٍ أعجبها وردُ الما، والمشيحة المجدة ومنه قول القائل، وإقدامي على الغمراتِ نفسي، وضربي هامةَ البطلِ المشيحِ،
وتنسبُ أفعالُ السيوفِ نفوسها ... إليه وينسبن السيوفُ إلى الهندِ