ويدفع المسيح عن الدمستق والملك ما نال المسيح من الهلاك ثم تعجب من هذا أي كيف يدفع عنهما ولم يقدر على الدفع عن نفسه بزعمهم أنه قتل وصلب واللام في الرجال لام الاستغاثة وهي منصوبةٌ واللام في لهذا لام التعجب وهي مكسورة انشد سيبويه لقيس بن ذريح، تكنفني الوشاة فأزعجوني، فيا للناس للواشي المطاعِ،
أرى المسلمين مع المشركي ... ن إما لعجزٍ وإما رهب
أي قد هادنوهم وتركوا قتالهم إما عجزا وأما رهبةً
وأنت مع الله في جانبٍ ... قليلُ الرقادِ كثيرُ التعب
مع الله أي مع أمر الله بالجهاد القتال أي أنت الذي تطيعه في جهاد الروم وجانبت غيرك من المهادنين والموادعين
كأنك وحدك وحدته ... ودان البرية بابنٍ وأب
أي كأنك الموحد لله تعالى وحدك وغيرك يدينون دين النصارى من قولهم في الله والمسيح أبٌ وابن كما اخبر الله عنهم في قوله وقالت النصارى المسيح ابن الله
فليت سيوفك في حاسدٍ ... إذا ما ظهرت عليهم كئب
كئب كآبة إذا حزن وظهر فيه الإنكسار يقول ليت الحاسد الذي يحزن بظفرك بالروم قتل بسيفك
وليت شكاتك في جسمهِ ... وليتك تجزى ببغضٍ وحب
يريد بالشكاة المرض الذي يشكوه وعاتبه في آخر البيت يقول ليتك تجزي من ابغضك ببغضه ومن أحبك بحبه لأنال منك نصيبي من الجزاء بالحب
فلو كنت تجزي به نلت من ... ك أضعف حظٍ بأقوى سبب
قال ابن جنى أي لو تناهيت في جزائك أياي على حبي إياك لكان ضعيفا بالإضافة إلى قوة سببي في حبي لك قال أبو الفضل العروضي وهذا لا يقوله مجنونٌ لبعض نظرائه أو لمن هو دونه فكيف ينسب المتنبي مثل سيف الدولة إلى أنه لو احتشد وتكلف في جزائه لم يبلغ كنهه وهذا عتبا يقول لو جزيتني بحبي لك وهو أقوى سببٍ لأن حبي لك أكثر من حب غيري لنلت منك القليل يشكو أعراضه عنه وأنه لا يصيب منه حظا مع قوة سببه هذا آخر ما قاله في الامير سيف الدولة ثم خرج من عنده مغاضبا إلى مصر ومدح الأسود كافورا الأخشيدي.
وقال أبو الطيب يمدح كافورا الأخشيدي في جمادي الأخرة سنة ٣٤٦
[كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكن أمانيا]
كفى بك معناه كفاك والباء زيدت في المفعول هاهنا كما تراد في الفاعل نحو كفي الله وذكرنا هذا في قوله كفى بجسمي نحولا يقول كفاك داء رؤيتك الموت شافيا أي أن داء شفاؤه الموت أقصى الأدواء والمنية إذا صارت أمنية فهو غاية البلية وفاقرة الخطوب
[تمنيتها لما تمنيت أن ترى ... صديقا فأعيا أو عدوا مداجيا]
يقول تمنيت المنية لما طلبت صديقا مصافيا فأعجزك أو عدوا مساترا للعداوة وعند عدم الصديق المصادق والعدو المنافق يتمنى المرء المنية وهذا تفسير الداء المذكور في البيت الأول
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلةٍ ... فلا تستعدن الحسام اليمانيا
إذا رضيت بذلة العيش فما تصنع بالسيف اليماني تعده أي إنما تحتاج إلى السيف لنفي الذل
ولا تستطيلن الرماح لغارةٍ ... ولا تستجيدن العتاق المذاكيا
لا تتخذن الرماح الطويلة للغارة ولا تتخذن الخيل الجياد الكرام التي قد تمت أسنانها
[فما ينفع الأسد الحياء من الطوى ... ولا تتقي حتى تكون ضواريا]
هذا حث على الوقاحة والتجليح وضرب المثل بالأسد لأنه لو لزم الحياء ولم يصد بقي جائعا غير مهيب وإنما يهاب ويتقي لكونه ضاريا مفترسا حريصا على الصيد
[حببتك قلبي قبل حبك من ناي ... وقد كان غدارا فكن أنت وافيا]
حببت لغة في احببت شاذ ولا يستعمل منه إلا المحبوب يقول لقلبه احببتك قبل ان أحببت أنت هذا الذي بعد عنا يعرض بسيف الدولة وقد كان غدارا فلا تغدر بي أنت أي لا تكن مشتاقا إليه ولا محبا له أي فإنك إن أحببت الغدار لم تفِ لي
[وأعلم أن البين يشكيك بعده ... فلست فؤادي إن أيتك شاكيا]
يقول لقلبه أعلم أنك تشكو فراقه لالفك إياه ثم هدده فقال إن شكوت فراقه تبرأت منك
فإن دموع العين غدرٌ بربها ... إذا كن إثر الغادرين جواريا
غدر جمع غدور يقول الدموع إذا جرت على فراق الغادرين كانت غادرة بصاحبها لأنه ليس ن حق الغادر أن يبكي على فراقه فإذا جرت الدموع في إثره وفاء له كان ذلك الوفاء غدرا بصاحب الدموع