يدعو على نفسه بأن يبلى كما بلى الأطلال أن لم يطل وقوفه بها طول وقوف البخيل الذي ضاع خاتمه في التراب وأورد ابن جنى على هذا سؤالا فقال ليس في وقوف الشحيح على طلب الخاتم مبالغة يضرب بها المثل واجاب عن هذا بأن قال العرب كما تبالغ في وصف الشيء وتجوز الحد فقد تقتصر أيضا وتستعمل المقاربة قال وهذا بعينه قد جاء في الشعر الفصيح فضربت العرب المثل به في الحيرة وهو قول الراجز، فهن حيرى كمضلات الخدم، هذا كلامه وقال أبو الفضل العروضي لم يلتزم هذا السؤال بل نقول لم يرد أبو الطيب قدر وقوف الشحيح بل أراد صورة وقوفه فشبه هيئة وقوف نفسه بهيئة وقوف الشحيح وذلك أن الشحيح إذا طلب الخاتم احتاج إلى الأنحناء ليقع بصره على الخاتم ولو كان بدل الخاتم شيئا أعظم منه كالخلخال والسوار لكان يطلبه عن قيامٍ فلا يحتاج إلى الإنحناء ولو كان صغيرا كالشذرة والدرة لكان يطلبه قاعدا فهو يقول أن لم أقف بها منحنيا لوضع اليد على الكبد والإنطواء عليها كوقوف الشحيح الطالب الخاتم ويشهد بصحة هذا المعنى قول ابن هرمة يذم بخيلا، نكس لما أتيت سائله، وأعتل تنكيس ناظم الخرز، فشبه حالته وهيئته بهيئة من ينظم الخرز في الاطراق وتنكيس الرأس على أنا نقول أن التزمنا هذا السؤال قد يبلغ من قيمى الخاتم ما يحق للشحيح أن يطول وقوفه على طلبه فقد يكون حلقا يحبس به ويطلق ويقتل وربما كان خاتما لخزائن الأموال كثير معان سوى هذا انتهى كلامه ونقول أيضا في جواب هذا السؤال أن وقوف الشحيح وان كان لايطول كل الطول فقد يكون أطول من وقوف غيره فجاز ضرب المثل به كقول الشاعر، رب ليل أمد من نفس العاشق طولا قطعته بانتحاب، وقد علمنا أن اقصر ليل اطول من نفس العاشق ولكن لما كان نفس العاشق أمد من نفس غيره جاز ضرب المثل به وأن لم يبلغ النهاية في الطول وكذلك قول الآخر، وليل كظل الرمح قصر طوله، دم الزق عنا واصطفاق المزاهر، لما كان ظل الرمح أطول من ظل غيره جعله الغاية في الطول وذكر ابن فورجة ان بعضهم روى وقوف شجيج صاع في الترب خاتمه قال والشجيج الوتد الذي شج رأسه وصاع بمعنى تفرق أي صارت له عروق في الثرى وعلق وقد تورق الأوتاد وعمد الخيام وخاتمه بمعنى ثابته ومقيمه وهذا تكلف ولا يكون صاع بمعنى تفرق.
كئيباً توقاني العواذل في الهوى ... كما يتوقى ريض الخيل حازمه
الكئيب الحزين وهو حال من قوله أقف بها وتوقاني معناه تباعدني وتجتنبني والريض الصعب الذي لم يرض والحازم الذي يشده بالحزام يقول العواذل اللاتي يعذلنني في الهوى يحذرن جانبي وابائي عليهن كما يحذر حازم الريض من الخيل جماحه أن يصيبه بعض أو رمح
قفى تغرم الأولى من اللحظ مهجتي ... بثانيةٍ والمتلف الشيء غارمه
يقول للحبيبة قفي ساعةً تغرم اللحظة الأولى مهجتي باللحظة الثانية والمعنى أني نظرت إليك نظرة أتلفتني فقفي لتغرم تلك النظرة مهجتي التي أتلفتها بنظرة ثانية تحييني وترد مهجتي يعني أنه أن نظر إليها ثانيا عاش وعادت حياته ثم قال ومن أتلف شيئا لزمه الغرم وتغرم في موضع الجزم جوابا للأمر بالوقوف والأولى في موضع الرفع لأنها هي الفاعلة وأخذ بعضهم هذا المعنى فقال، يا مسقما جسمي بأول نظرةٍ، في النظرة الأخرى إليك شفاءي، وروى الخوارزمي تغرمي بالياء وأصله تغرمين على مخاطبة الحبيبة والمهجة كناية عن الحبيبة يقول قفي يا مهجتي تغرمي النظرة الأولى التي حرمتنيها بنظرةٍ ثانيةٍ إليك فالأولى على هذه الرواية في موضع النصب بتغرمي ثم قال ومن أتلف شيئا غرمه أي أنت أتلفت عليّ النظرة التي رمتها منك أولا فاغرميها بنظر ثان والقول هو الأول
[سقاك وحيانا بك الله إنما ... على العيس نور والخدور كمائمه]
جعل هؤلاء النسوة نورا في حسنهن وصفاء لونهن وطيب رائحتهن وجعل الخدور لهن بمنزلة الكمائم للنور ولما جعلهن نورا بنى على هذا اللفظ السقى والتحية فإن النور نضرته بالماء وجرت العادة بان يحيى بعض الناس بعضا بالأنوار والرياحين فيناوله شيئا منها ومعنى حيانا بك الله كفانا بكل الله تعالى وحيانا بك وقد كشف السريّ الموصلي عن هذا المعنى بقوله، حيى به الله عاشقيه فقد، أصبح ريحانةً لمن عشقا،
وما حاجة الأظعان حولك في الدجى ... إلى قمرٍ ما واجد لك عادمه