أي تهرب عن دنس الأخلاق يعني اللوم وما يذم منها ويهرب عنك الجيش الكثير وأنت هاربٌ من وجهٍ مهروبٌ عنه من وجهٍ والجرار الجيش العظيم الذي يجر ذيل الغبار ويجوز أن يكون فعالا من جر إذا جنى كأنه بكثرته وشدةِ وطأته يجني على الأرض بإثارة التراب وعلى السماء بغباره.
يا من يعز على الأعزة جارهُ ... ويذل في سطواته الجبارُ
يقول يا من عز جاره على الأعزة فلا يقدرون أن ينالوه بسوء والمتجبر العظيم في ملكه سير ذليلا في غضبه.
كن حيث شئت فما تحول تنوفةٌ ... دون اللقاء ولا يشط مزارُ
يقول كن حيث شئت من الأرض فما تمنعنا عن لقائك تنوفةٌ وإن بعدت ولا يبعد علينا مزارك.
وبدون ما أنا من ودادك مضمرٌ ... ينضى المطيُّ ويقرب المستارُ
أي بأقل مما أضمره من ودادك تهزل الدابة ويقرب السير يعني أنه لا يبعد عليه منزل حبيبٍ
أن الذي خلفت خلفي ضائعٌ ... ما لي على قلقي غليه خيارُ
أي من خلفته وراءي ضاع بخروجي من عنده ولا اختيار لي إن اخترت أن أصحبك على قلقي واشتياقي إلى من خلفته.
وإذا صحبت فكل ماء مشربٌ ... لولا العيال وكل أرض دارُ
أي إذا سرت في صحبتك عذب لي كل ماء ووافقتني كل أرض حتى كأنها داري لولا من خلفت من العيال.
إذن الأمير بأن أعود إليهم ... صلةٌ تسير بذكرها الأشعارُ
أي أذنك لي بالعود إلى عيالي صلة تشكرها الأشعار وهذا كقول المهلبي، فهل لك في الإذن لي راضيا، فإني أرى الإذن غنما كبيرا.
وقال يرثي ابن سيف الدولة وقد توفي بميافارقين سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة.
[بنا منك فوق الرمل ما بك في الرمل ... وهذا الذي يضني كذاك الذي يبلي]
يقول بنا منك ونحن فوق الأرض الذي بك وأنت فيها يعني أنا أموات حزنا عليك كما أنك ميت في الأرض وتفسير هذا المصراع ما ذكره في المصراع الثاني وهو قوله وهذا الذي يضني أي هذا الحزن الذي يهزل كالموت الذي يبلي الإنسان وهو مأخوذ من قول يعقوب بن الربيع في مرثية جارية له تسمى ملكا، يا ملك إن كنت تحت الأرض باليةً، فإنني فوقها بالٍ من الحزنِ،
كأنك أبصرت الذي بي وخفته ... إذا عشت فاخترت الحمامَ على الثكلِ
يقول كأنك ابصرت ما بي من فقدك والوجد عليك وخفت مثله لو عشت فاخترت الموت على فقد الأعزة.
تركت خدودَ الغانيات وفوقها ... دموعٌ تذيب الحسنَ في الأعين النجلِ
وجه أذابةٍ الدمع الحسن أنه يفسد العين ويزيل حسنها كما قال، أليس يضر العين أن تكثر البكا، ويمنع عنها نومها وهجودها، وإنما قال تذيب ولم يقل تزيل لأن الدمع لما كان يذهب بالحسن شيئا فشيئا كان استعارة الإذابة لفعله حسنا وأيضا لما كان الذوب في معنى السيلان والدمع سائل فكان الحسن سال معه وقيل في هذا قولان آخران أحدهما أن الحزن يحمي الدمع ويسخنه وسخونة الدمع تذيب شحمة المقلة فتذيب حسنها والثاني أن الحسن عرضٌ لا يقبل الإذابة يقول هذه الدموع تذيب ما لا يقبل الإذابة فكيف ما يقبلها.
تبل الثرى سوداً من المسك وحدهُ ... وقد قطرت حمراً على الشعرِ الجثلِ
أي هذه الدموع تصل إلى الأرض فتبلها وهي سود لامتزاجها بالمسك وحده لأن الجواري لا يكتحلن لأجل المصيبة لأن كحل اعينهن يغنيهن عن الكحل فلا يحتجن إليه وقد استعملن المسك قبل المصيبة فبقي في شعورهن والكحل لا يبقى طويلا وهذه الدموع قطرت وهي حمر لامتزاجها بالدم ثم غلب عليها سواد المسك فعادت سواد وإنما قطرت على السعر لأنهن نشرن الشعور وهي جثلة أي كثيرة وفيها مسك فمر الدمع بها فاسود من مسكها وهذا المعنى مأخوذ من قول أبي نواس، وقد غلبتها عبرةٌ فدموعها، على خدها حمر وفي نحرها صفر، فجعلها صفرا على النحر لأنها اختلطت بالطيب الذي فيه الزعفران.
فإن تكن في قبرٍ فإنك في الحشا ... وإن تك طفلا فالأسى ليس بالطفلِ
يقول ليس البكاء عليك على قدر سنك لأنك صغير لم تبلغ المبالغ فتوجب فرط البكاء عليك ولكنك تبكى على قدر اصلك إذ أنت من أصل كبير على قدر الفراسة فيك إذ كنا نتفرس فيك الملك فلهذا يكثر البكاء عليك ثم بين عظم أصله ونسبه فقال.
ألست من القوم الذي من رماحهم ... نداهم ومن قتلاهم مهجة البخل