لما جعله بدرا والبدر لا يخص النور بعضه وصفه بأنه من فرقه إلى قدمه نور ون نياق الركب تهتدي بنوره فكأنه يقودها بلا أزمتها ويجوز أن يريد بالنور وجهه وذلك أنه أراد أن يذكر تفصيل المحاسن التي بين شعره وقديمه فذكرها واحدا واحدا وبدا بالوجه ثم ثنى بالطرف.
وطرف إن سقى العشاق كأساً ... بها نقص سقانيها دهاقا
[وخصر تثبت الأبصار فيه ... كأن عليه من حدق نطاقا]
قال ابن حنى أي تؤثر الأبصار في خصره لنعمته وبضاضته يقول تأثر خصره بالنظر إليه فكأن عليه نطاقا من آثار الأحداق قال ابن فورجة كيف تؤثر العين في الخصر وهي لا تصل إليه لأن الخصر لايتجرد من الثياب وأيضا فالخصر لا يوصف بالنعومة والرقة إنما يوصف بها الخدود والوجنات وأراد المتنبي أن الأبصار تثبت في خصره استحسانا له وتكثر عليه من الجوانب حتى تصير كالنطاق عليه وهذا منقول من قول بشار، ومكللاتٍ بالعيون طرقننا ورجعن ملسا، يريد أنهن لحسنهن تعلوا الأبصار إلى وجوههن ورؤسهن حتى كأن لهن أكليلا من العيون هذا كلامه وهو صحيح وقد نقل أبو الطيب العين إلى الخصر والإكليل إلى النطاق والسري الموصليّ كشف عن هذا المعنى في قوله، أحاطت عيون العاشقين بخصرهِ، فهن له ون النطاق نطاق،
[سلى عن سيرتي فرسي وسيفي ... ورمحي والهملعة الدفاقا]
الهملعة الناقة السريعة والدفاق والدفاق المتدفقة في السير يقول للمرأة سلى عن حال سيري هذه الأشياء يعني أ، هـ كان وحده ولم يصحبه غير ما ذكر فلا يستخبر عن سيره غير الفرس والرمح والسيف والناقة.
[تركنا من وراء العيس نجدا ... ونكبنا السماوة والعراقا]
السماوة قرية معروفة يقول ملنا عن طريق السماوة وطريق العراق وخلفنا نجدا وراءنا يعني في القصد إلى الممدوح.
فما زالت ترى والليل داجٍ ... لسيف الدولة الملك ائتلاقا
الائتلاق البريق يقال ائتلق البرق وتألق إذا لمع يقول لم تزل العيس ترى نور وجهه سيف الدولة في ظلمة الليل وهذا من قول عبد بن الحسحاس، إذا نحن أدلجنا فأنت أمامنا، كفى لمطايانا بوجهك هاديا، ومثله قول أبي الطمحان القيني، أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم، دى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه،
[أدلتها رياح المسك منه ... إذا فتحت مناخرها انتشاقا]
يقول أدلة العيس في طريقها إلى سيف الدولة انتشاقها رياح المسك منه إذا فتحت مناخرها وهذا من قول أبي العتاهية، ولو أن ركبا أمموك لقادهم، نسميك حتى يستدل بك الركب،
[أباح الوحش يا وحش الأعادي ... فلم تتعرضين له الرفاقا]
ويروي أباحك أيها الوحش الأعادي التعرض القصد يقول للوحش قد أباحك أعداءه بأن قتلهم فلم تقصدين الرفاق التي تسير إليه والتقدير فلم تتعرضين له أي رفاق وهي جمع رفقة وهي الجماعة في السفر.
ولو تبعت ما طرحت قناهُ ... لكفك عن رذايانا وعاقا
الرذايا المهازيل من الإبل واحدها رذية وتبع بمعنى اتبع يقول للوحش لو تتبعت ما طرحت رماحه من القتلى لكفك ذلك عن مطايانا ولكان لك فيه كفاية عن التعرض لنا.
ولو سرنا إليه في طريقٍ ... من النيرانِ لم نخف احتراقا
يقول نحن آمنون في طريقنا إليه حتى لو سرنا في النيران ما قدرت على احراقنا يذكر أمن السالكين في طرق لاويته.
إمام للأئمة من قريشٍ ... إلى من يتقون له شقاقا
يقول هو إمام للخلفاء يتقدمهم إلى من يخالفهم كتقدم الإمام للمتقديمن وقوله يتقون له شقاقا يعني عدوا يحذرون خلافه ويتقدمون إليه ليكفيهم ذلك العدو ثم فسر هذه الإمامة فقال
[يكون لهم إذا غضبوا حساما ... وللهيجاء حين تقوم ساقا]
فلا تستنكرون له ابتساما ... إذا فهق المكر دماً وضاقا
الفهق الإمتلاء والمتفيهق الذي يفهق فمه بالكلام يقول لا تنكر تبسمه في أهوال ساعة الحرب وهو عند ضيق المكر بازدحام الأبطال وامتلائه بالدم ثم ذكر علة ترك الإنكار لتبسمه فقال.
[وقد ضمنت له المهج العوالي ... وحمل همه الخيل العتاقا]
يقول لا كلفة عليه في الحرب لأن الرماح ضمنت له أرواح الأعداء فإزهاقها في ضمان الأرماح وإذا هم بأمرٍ أدركه على ظهور خيله وهي حاملة همه وقد فسر هذا في قوله
إذا أنعلن في آثار قومٍ ... وإن بعدوا جعلنهم طراقا