أي هم تقيلوا آباءهم في الخطأ وأنت تقيلت أباك في العفو ففعلهم عجب حين عصوك ولم يعتبروا بآبائهم وفعلك أيضا عجب في المن عليهم والإبقاء على باقيهم
[كذا فيسر من طلب الأعادي ... ومثل سراك فليكن الطلاب]
وقال يمدحه ويذكر بناءه ثغر الحدث ومنازلته أصناف الروم سنة ٣٤٣
[على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم]
العزيمة ما يعزم عليه من الأمر يقول العزائم إنما تكون على قدر أصحاب العزم فمن كان كبير الهمة قوي العزم عظم الأمر الذي يعزم عليه وكذلك المكارم إنما تكون على قدر أهلها فمن كان أكرم كان ما يأتيه من المكرمات أعظم والمعنى أن الرجال قوالب الأحوال فإذا صغروا صغرت وإذا كبروا كبرت وهذا كقول عبد الله بن طاهر، إن الفتوح على قدر الملوك وهمات الولاة وإقدام المقاديم،
[وتعظم في عين الصغير صغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائم]
أي صغار الأمور عظيمة في عين الصغير القدر وعظامها صغيرة في عين العظيم القدر
[يكلف سيف الدولة الجيش همه ... وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم]
يكلف جيشه ما في همته من الغزوات والغارات ولا يقوم بتحمل ذلك الجيوش الكثيرة لأن ما في همته ليس في طاقة البشر تحمله والخضرم الكثير العظيم والرواية الصحيحة الجيوش والبحور لا وجه له في المعنى ومن رواه غالط وإنما أتى من لفظ الخضارم ظنا أن الخضرم لا يكون إلا صفة للبحر والخضرم الكثير من كل شيء
[ويطلب عند الناس ما عند نفسه ... وذلك ما لا تدعيه الضراغم]
يطلب عند الناس ما عنده من الشجاعة والبأس والأسود لا تعدي ذلك الذي عنده من الشجاعة
[يفدي أتم عمرا سلاحه ... نسور الملا أحداثها والقشاعم]
يريد بأتم الطير عمرا النسور وقد فسره بالمصراع الثاني والقشعم المسن من النسور يعني أن النسور تقول لأسلحته فديناك بأنفسنا لأنها كفتها التعب في طلب الأقوات وقد فسر هذا فقال
[وما ضرها خلق بغير مخالب ... وقد خلقت أسيافه والقوائم]
يقول ما ضر الأحداث من النسور يعني الفراخ والقشاعم وهي المسنة التي ضعفت عن طلب الرزق وخص هذين النوعين لعجزها عن طلب القوت يقول فليس يضرها أن لا مخالب لها قوية مفترسة بعد أن خلقت أسيافه فإنها تقوم بكفاية قوتها ويجوز أن يكون المعنى وما ضرها لو خلقت بغير مخالب كما يقول ما ضر النهار ظلمته مع حضورك وليس النهار بمظلم ولكنك تريد ما ضره لو خلق مظلما
[هل الحدث الحمراء تعرف لونها ... وتعلم أي الساقيين الغمائم]
الحدث أسم قلعة معروفة بناها سيف الدولة في الروم وقوله الحمراء لأنها احمرت بدماء الروم وذلك إنهم غلبوا عليها وتحصنوا بها فأتاهم سيف الدولة وقتلهم فيها حتى احمرت بدمائهم فقال المتنبي هل تعرف الحث لونها يعني أنه غير ما كان من لونها بالدم وهل تعلم أي الساقيين يسقيها الغمائم أم الجماجم وحذف ذكر الجماجم اكتفاء بذكر الغمائم كما قال الهذلي، عصيت إليها القلب إني لأمرها، مطيع فما أدري أرشد طلابها، أراد أرشد أم غي وقد بين هذا المعنى في البيت الثاني فقال
[سقتها الغمام الغر قبل نزوله ... فلما دنا منها سقتها الجماجم]
[بناها فأعلى والقنا يقرع القنا ... وموج المنايا حولها متلاطم]
بناها ورماح المسلمين تقارع رماح الروم والعسكران يتقاتلان والمنايا تسلب الأرواح واستعار لها موجا متلاطما لكثرتها كالبحر إذا تلاطمت أمواجه
[وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمتئم]
جعل اضطراب الفتنة فيها جنونا لها وذلك أن الروم كانوا يقصدونها ويحاربون أهلها فلا تزال الفتنة بها قائمة فلما قتل سيف الدولة الروم وعلق القتلى على حيطانها سكنت الفتنة وسلم أهلها فجعل جثث القتلى كالتمائم عليها حيث اذهبت ما بها من الجنون وهو سكون الفتنة
[طريدة دهر ساقها فرددتها ... على الدين بالخطى والدهر راغم]
أي هذه القلعة طريدة الدهر طردها الدهر بأن سلط عليها الروم حتى خربوها فأعدت بناءها ورددتها على أهل الدين فرغم الدهر حين خالفته فيما قصد واراد
تفيت الليالي كل شيء أخذته ... وهن لما يأخذن منك غوارم