المراد بالإعطاء ههنا الأسم لا المصدر يريد به العطاء قال ابن جنى يقول قدرك أن يكون عطاؤك فوق هذا فإذا فعلت هذا فكأنك معيب به لقلته بالإضافة إلى محلك قال ابن فورجة أن كان التفسير على ما ذكر فهو هجو وكيف يهجي الكبار بأكثر من أن يقال ما وهبت يسير بجنب قدرك فيجيب أن تهب أكثر من ذلك والذي أراد المتنبي أنهم لو عابوك ما عابوك إلا بسخائك وإسرافك فيه وليس السخاء ما يعاب به فيكون كقول النابغة، ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم، بهن فلول من قراعِ الكتائب، وقول ابن الرقيات، ما نقموا من بني أمية غلا أنهم يحلمون أن غضبوا، والمعنى أنهم لا يقدرون من عيبك إلا على ما لايعاب به هذا كلامه والذي ذكره ابن جنى صحيح فقد يمدح الإنسان الكثير العطاء بأن قدره يقتضي أكثر مما أعطى كما قال أبو الطيب، يا من إذا وهب الدنيا فقد بخلا،
[فاضح أعدائه كأنهم ... له يقلون كلما كثروا]
أي يفضح أعداءه بظهور فضله عليهم وتأخرهم عن مكانه ومحله وانتقاص عددهم من مكاثرته حتى كأ، هم يقلون بكثرتهم وينقصون بزيادتهم إذا قيسوا وأضيفوا إليه.
أعاذك الله من سهامهم ... ومخطىء من رميه القمرُ
دعا له أن يحفظه الله من سهام الأعداء ويجوز أن يكون هذا خبرا لقوله ومخطىء من رميه القمر أي أنهم لا يصيبونك برميهم كما لا يصيب من رمى القمر لأنه محلا من أن يبلغه سهم راميه كذلك أنت.
وأمر سيف الدولة بانفاذ خلع إلى أبي الطيب فقال:
فعلت بنا فعل السماء بأرضه ... خلع الأمير وحقه لم نقضهِ
يقول أحيتنا خلع الأمير وزانتنا والبستنا الوشى لأن هذه المعاني موجودة في فعل السماء بالأرض والهاء في أرضه يجز أن تكون كناية عن الممدوح أضاف الأرض كلها إليه تفخيما لشأنه ويجوز أن تكون كنايةً عن السماء وذكره على ارادة السقف أو لأنه جمع سماوة وكل جمع بينه وبين واحده الهاء جاز تذكيره وأراد بالسماء المطر يقول لم نقض حق الأمير كما يستحقه من المدح وقد أتانا بخلعٍ لها فينا تأثير السماء في الأرض.
[فكأن صحة نسجها من لفظه ... وكأن حسن نقائها من عرضه]
يقول صفات نسجها تشبه ألفاظ الأمير في جودتها وسلامتها من السخافة وكأن نقاءها من نقاء عرضه حيث سلم مما يعاب به.
وإذا وكلت إلى كريمٍ رأيه ... في الجود بأن مذيقه من محضهِ
المذيق الممذوق وهو الممزوج والمحض الخالص يقول إذا فوضت الأمر في الجود إلى الكريم ولم تقترح عليه شيئا بأن معيب الرأي من صحيحه لأن المعيب لا يعطي شيئا على كثرة السؤال والإلحاح عليه والخالص الرأي لا يحوج إلى السؤال بل يعطى على طبيعة جوده وكرمه.
وقال أيضا يمدحه
[لا الحلم جاد به ولا بمثاله ... لولا ادكار وداعه وزياله]
الزيال والمزايلة والمفارقة يصف شدة هجر الحبيب وأنه لايأتيه في النوم أيضا وهم إذا وصفوا الخيال بالامتناع من الزيارة في النوم أرادوا به شدة هجر الحبيب كما قال، صدت وعلمت الصدود خيالها، ولا يتصور تعليم الخيال الصدود ولكنهم لما يصفون الحبيب بشدة الهجر يجعلون هجر الخيال نوعا من صدوده يقول لم يجد الحلم بالحبيب أي لم أره في النوم ولا رأيت خياله لولا أني تذكرت وداعه ومفارقته وواصلت الفكر فيه ليلا ونهارا لما جاءني خياله والمعنى تذكري في اليقظة الوداع والفراق أراني في النوم خياله ولو غفلت عن ذكره لم أره في النوم يعني أن موجب رؤية الخيال استدامته ذكر الوداع والفراق وجود الحلم بالحبيب جوده بمثاله وجعل أبو الطيب ذلك شيئين ظنا منه أنه يرى الحبيب في النوم ويرى خياله ورؤية الحبيب في النوم رؤية خياله لا رؤية شخصه بعينه.
إن المعيد لنا المنام خيالهُ ... كانت إعادته خيال خيالهِ