للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعل نفسه في الدقة كخصرها وجعل ظلمها أياه كظلم متنيها لخصرها ثم وصف نفسه بضعف القوى والعادة جرت للشعراء بوصف الردف بالعظم والخصر بالهيف ولم يسمع ذكر سمن المتن وكثرة لحمه بل يصفون النصف الأعلى بالخفة والرشاقة وهو يقول متنها ممتلىء يظلم خصرها بتكليفه حمله والصحيح في هذا المعنى قول خالد بن يزيد الكاتب، صبا كئيباً يتشكى الهوى، كما اشتكى خصرك من ردفكا،

[بفرع يعيد الليل والصبح نير ... ووجه يعيد الصبح والليل مظلم]

فلو كان قلبي دارها كان خالياً ... ولكن جيش الشوق فيه عرمرم

[أثاف بها ما بالفؤاد من الصلى ... ورسم كجسمي ناحل متهدم]

أثاف جمع أثفيه وهي الحجر ينصب تحت القدر قال الأخفش واجمعت العرب على تخفيف أثاف والصلى والاصطلاء بالنار وإذا فتحت الصادر قصر وإذا كسرت مد والتقدير أثاف بها من الصلاء ما بالفواد يعني أن النار احرقتها وأثرت فيها كما أحرق الشوق والحب قلبي

[بللت بها ردني والغيم مسعدي ... وعبرته صرف وهي عبرتي دم]

يعني بكيت أنا والغيم في الدار وكان دمعي ودمعه صافيا

ولو لم يكن ما انهل في الخد من دمي ... لما كان محمراً يسيل فأسقم

يقول لو لم يكن دمعي دما ما كان احمر وما كنت هزلت وسقمت بعده

بنفسي الخيال الزائري بعد هجعةٍ ... وقولته لي بعدنا الغمض تطعم

الهجعة الرقدة يقول غيرني الخيال الزائر وقال كيف تلتذ بالنوم بعدي

[سلام فلولا البخل والخوف عنده ... لقلنا أبو حفص علينا المسلم]

سلام من حكاية قولها أي قال لي الخيال معاتبا أتنام بعد مفارقتنا سلام أي عليك سلام ثم قال لولا أنه بخيل جبان لقلت أنه الممدوح اجلالا له واستعظاما وقال ابن جنى لولا خوفي من مفارقته او معاتبته ولولا بخله لأنه لا حقيقة لزيارته واخطأ في تفسيرهما لأنه جعل الخوف للمتنبي وإن لا حقيقة لزيارته لايكون بخلا والمرأة توصف بالجبن والبخل ويقال أن هذين من شر أخلاق الرجال وهما من خير أخلاق النساء

[محب الندى الصابي إلى بذل ماله ... صبوا كما يصبو المحب المتيم]

[وأقسم لولا أن في كل شعرة ... له ضيغما قلنا له أنت ضيغم]

المعنى أنه يزيد على الأسد قوة وشجاعة بعدد شعر بدنه ولولا ذلك لقلنا أنه أسد ثم أكد هذا فقال

[أننقصه من حظه وهو زائد ... ونبخسه والبخس شيء محرم]

يعني أنه زاد على الأسد شجاعة ثم إن جعلناه كالأسد كنا قد نقصنا حظه لنه يستحق أكثر منه

يجل عن التشبيه لا الكف لجةٌ ... ولا هو ضرغام ولا الرأي مخذم

يقول هو أجل من أن يشبه كفه بالبحر وهو بالأسد ورأيه بالسيف

[ولا جرحه يؤسى ولا غوره يرى ... ولا حده ينبو ولا يتثلم]

عطف لا في قوله ولا في جرحه يؤسى على لا في البيت قبله في ظاهر اللفظ لا في المعنى لأنّ قوله لا الكف لجة يريد أن فيها ما في اللجة وزيادة عليه وكذلك ما بعده في هذا البيت وقوله ولا جرحه يؤسى ليس يريد أنه يؤسى ويزاد عليه فهو في هذا ينفي في اللفظ والمعنى جميعا وفيما قبل مثبت في المعنى ما نفاه لفظا والمعنى أن جرحه أوسع من أن يعالج لأنه لا يبرأ بالعلاج ولا يرى غور جرحه لعمقه ويجوز أن يكون المعنى ولا غور الممدوح يرى أي يعلم أي أنه بعيد الغور في الرأي والتدبير ولا يدرك غوره واستعار له حدا لمضائه ونفاذه في الأمور وجعل حده غير ناب ولا متثلما لحدته

[ولا يبرم الأمر الذي هو حالل ... ولا يحلل الأمر الذي هو مبرم]

أظهر التضعيف من حالل للضرورة كقول الراجز، يشكو الوجى من أظلل وأظللن

[ولا يرمح الأذيال من جبرية ... ولا يخدم الدنيا وإياه تخدم]

الجبرية الكبر يقول لا يختال في مشيته فيرمح ذيل ثوبه يقال للمختال أنه ليرمح الأذيال إذا طال ذيله ولم يرفعه وضربه برجله ومنه قول القحيف العقيلي، يقول لي المغني وهن عشية، بمكة يرمحن المهذبة السحلا،

[ولا يشتهى يبقى وتفنى هباته ... ولا يسلم الأعداء منه ويسلم]

يقول لا يحب أن يبقى ولا عطاء له أي إنما يحب البقاء ليعطي فإذا لم يكن له عطاء لم يحب البقاء ولا يحب أن يسلم في نفسه مع سلامة الأعداء منه أي أنه يحب أن يقتلهم وأن كان في ذلك هلاكه

ألذ من الصهباء بالماء ذكره ... وأحسن من يسر تلقاه معدم

<<  <   >  >>