وقال مجيبا لإنسان قال له سلمت عليك فلم ترد الجواب
أنا عاتبٌ لتعتبك ... متعجبٌ لتعجبك
يقول أنا واجد عليك لتكلفك الموجدة على من غير ذنب واتعجب من تعجبك مني حين لم أرد عليك الجواب
[إذ كنت حين لقيتني ... متوجعا لتغيبك]
فشغلتُ عن ردِ السلا ... مِ وكان شغلي عنك بك
يقول كنت في تلك الحالة التي لقيتني فيها اتوجع لغيبتك عني واشتغالي بالتوجع لفراقك شغلني عن رد الجواب عليك وكان اشتغالي في الظاهر اشتغالا عنك وفي الباطن اشتغالا بك وقال أيضاً في صباه
أنصر بجودك ألفاظاً تركت بها ... في الشرق والغرب من عاداك مكبوتا
يقول انصر بعطائك اشعاري التي مدحتك بها فكأني كبت بها أعداءك في الشرق والغرب يعني أنها غاظتهم ومعنى نصره إياها أن يصدقها فيما وصفه به من الجود ويعطي المتنبي حتى يزيده منها
فقد نظرتك حتى حان مرتحلي ... وذا الوداع فكن أهلاً لما شيتا
ويروي وقد بالواو ونظرتك معناه انتظرتك والمرتحل الارتحال يقول انتظرت عطاءك حتى حان الارتحال وهذا وقت وداعي إياك فاختر أن تكون أهلا للجود والمدح إن شئت أو للحرمان والذم إن شئت وهذا كقول أحمد بن أبي فننٍ، حان الرحيل فقد أوليتنا حسناً، والآن أحوج ما كنا إلى زادِ
[حاشا الرقيب فخانته ضمائره ... وغيض الدمع فأنهلت بوادره]
وقال أيضا في صباه ولم ينشدها أحدا
حاشا الرقيب فخانته ضمائره ... وغيض الدمع فانهلت بوادره
حاشاه تجنبه وتوقاه وغيض الدمع حبسه ونقصه وانهلت انصبت وبوادره سوابقه ومسرعاته يقول تباعد عن الرقيب مخافة أن يطلع على هواه فظهر عليه ما يكتمه لأنه لم يقدر على كتمانه فوقف الرقيب على سره والضمائر جمع الضمير وهو ما يضمره الإنسان في قلبه ومعنى خانته ظهرت للرقيب بغير قصده وأرادته وقد أكد هذا فيما بعده وهو قوله
[وكاتم الحب يوم البين منتهك ... وصاحب الدمع لاتخفى سرائره]
يقول الذي يكتم حبه كيلا يطلع عليه يبدو سره يوم الفراق لأنه يجزع ويبكي فيستدل بجزعه وبكائه على حبه والمصراع الثاني كالتفسير للأول
لولا ظباء عديٍّ ما شقيت بهم ... ولا بربربهم لولا جاذره
كنى بالظباء عن النساء وعدي قبيلة والربرب قيطع من البقر والجاذر جمع جوذر وهو ولد البقرة الوحشية والعرب تكنى بهذه الأشياء عن النسوان الحسان يقول لولا نساء هذه القبيلة اللاتي هن كالظباء في عيونهن واعناقهن لم اشق بهم أي أحتاج إلى مجاملتهم واحتمال الذل لأجل نسائهم الحسان ولا شقيت أيضا بالربرب لولا الصغار يعني لولا الشواب المليحات لم اشق بالكبار في مضايقتهن
من كل أحور في أنيابه شنبٌ ... خمر يخامرها مسك تخامره
ويروى مخامرها يريد من كل ظبي احور وهو شديد سواد العين والشنب صفاء الأسنان ورقة مائها وسئل ذو الرمة عن الشنب فأخذ حبة رمان فقال ذا هو الشنب أشار إلى صفائها ورقة مائها وقال ابن جنى خمرٌ بدل من شنب كأنه قال في أنيابه خمرٌ قد خالطت المسك والمسك قد خالطها وهذا قول جميع من فسر هذا الديوان قالوا الشنب الذي في أنياب هذا الأحور خمرٌ يخالطها مسك تخالط هذه الخمر ذلك المسك ويبعد إبدال الخمر من الشنب لأنه ليس في معنى الخمر والقول فيه أن خمر في معنى الابتداء ومخامرها ابتداء ثان ومسك خبره وهما في محل الرفع بالخبر عن خمر والهاء في تخامره ضمير الشنب يعني أن خمراً قد خامرها المسك تخامر ذلك الشنب وعلى رواية من روى يخامرها مسك هذه الجملة صفة للنكرة التي هي خمر وخبره قوله تخامره
[نعج محاجره دعج نواظره ... حمر غفائره سود غدائره]
نعج جمع انعج والنعج البياض والدعج السواد والغفائر جمع غفارة وهي خرقة تكون على رأس المرأة يوقى بها الخمار من الدهن وقد يكون اسما للمقنعة التي يغطي بها الرأس والمحجر جمع المحجر وهو ما حول العين جعلها بيضا لبياض الوانهن وإن جعلنا الغفائر المقانع فإنما جعلها حمرا لأنهن شواب كما قال، حمر الحلي والمطايا والجلابيب، وإن جعلناها الخرق فهي حمر لكثرة استعمالهن الطيب من المسك والزعفران والغدائر الذوائب واحدتها غديرة
أعارني قسم جفنيه وحملني ... من الهوى ثقل ما تحوى مآزره