الاقتناع مثل القناعة يقول شوقي إلى الاحبة لا يقنع مني بهذا الحزن الذي أنا فيه حتى يحرق كبدي ويوله عقلي فاصير مجنونا ذاهب العقل
ولا الديار التي كان الحبيب بها ... تشكو إليّ ولا أشكو إلى أحد
قال ابن جنى يقول لم يبق في فضل للشكوى ولا في الديار أيضا فضل لها لأن الزمان ابلاها قال ابن فورجة ذهب أبو الفتح إلى أن تقدير الكلام ولا الديار تشكو إليّ وقد علم أن الديار كلما كانت اشد دثورا وبلى كانت أشكى لما تلاقي من الوحشة بفراق الأحبة فكيف جعل الدار لا فضل فيها للشكوى وشكواها ليست بحقيقة وإنما هي مجاز وإنما كان على ما ذكر لو أن شكواها حقيقة فكانت تقصر عنها لضعفها وبلاها كما يصح ذلك في العاشق كما قال الملقب بالببغاء، لم يبق لي رمق اشكو هواك به، وإنما تيشكى من به رمق، وأيضا لو كان على ما ادعى لم يكن لعطف هذه الجملة على قوله ما الشوق مقتنعا معنى ولما عطفها عليها دل على إنها منها بسبيلٍ وإنما يعنى لا الشوق يقتنع مني بهذا الكمد ولا الديار تقتنع مني به وتم الكلام عند قوله كان الحبيب بها ثم ابتدأ فقال هذه الديار تشكو إليّ وحشتها بفراق أهلها وأنا لا أشكو إلى أحد أما لجلدي أو لأني كتوم لأسراري فيكون قد نظر إلى قول القائل، فإني مثل ما تجدين وجدي، ولكني أسر وتعلنينا، هذا كلامه ويمكن توجيه المعنى من غير أن يتم الكلام في المصراع الأول على ما قال وهو أن يكون ولا تقنع الديار التي كان الحبيب بها يشكو إليّ أي يطلعني على أمره وأنا لا افشي سري هذا على قول من روى يشكو بالياء ومن روى بالتاء فمعناه الديار الشاكية إليّ بلسان الحال ما دفعت إليه من الوحشة والخلاء فتشكو أريد به الحال لا الاستقبال ولا أشكو إلى أحد لأنه ليس به غيري
[ما زال كل هزيم الودق ينحلها ... والسقم ينحلني حتى حكت جسدي]
أراد كل سحاب هزيم الودق وهو الذي لا يستمسك كأنه منهزم عن مائه يقال غيث هزيم ومنهزم وأكثر ما يستعمل الهزيم والمنهزم في صفة السحاب وهو الذي لرعده صوت يقال سمعت هزيمة الرع ولا يستعمل في صفة الودق ومعنى البيت من قول مخلد بن بكار الموصلي، يا منزلاً ضن بالسلام، سقيت صوبا من الغمام، ما ترك المزن منك إلا، ما ترك السقم من عظامي، ومثله قول ابن وهب، لبسا البلى فكأنما وجدا، بعد الأحبة مثل ما أجد، ومثله أيضا للبحتري، حملت معالمهن أعباء البلى، حتى كأن نحولهن نحولي، ومثله لأبي الطيب، أثافٍ بها ما بالفؤاد من الصلا، ورسم كجسمي ناحل متهدم،
[وكلما فاض دمعي غاض مصطبري ... كأن ما سال من جفني من جلدي]
غاض نقص والمصطبر الاصطبار يقول كأن دموعي جارية من جلدي لأني كلما بكيت نقص صبري
[وأين من زفراتي من كلفت به ... وأين منك ابن يحيى صولة الأسد]
يقول أين من عشقته من معرفة ما بين من الشوق إليه والحسرة على فراقه وأين تقع منك أيها الممدوح صولة الأسد يعني من صولتك كأنه قال صولتك فوق صولة الأسد فلا تقع صولة الأسد من صولتك إلا دوها أنكر أن يعرف الحبيب حاله وأن تكون صولة الأسد كصولة الممدوح
[لما وزنت بك الدنيا فملت بها ... وبالورى قل عندي كثرة العدد]
يقول لما رجحت كفتك وقد وضعت الدنيا وأهلها في الكفة الثانية علمت أن الرزانة للمعالي لا للاشخاص أي إذا رجح الواحد على الكثير كان ذلك الكثير قليلا بالاضافة إلى ذلك الواحد الراجح وقد قال البحتري، ولم أر أمثال الرجال تفاوتت، لدى المجد حتى عد ألف بواحد،
[ما جار في خلد الأيام لي فرح ... أبا عبادة حتى درت في خلدي]
يقول لم يقع في قلب الأيام أن تسرني حتى وقعت أنت في قلبي أن أقصدك وامدحك والمعنى من أقبلت على الدنيا حتى أملتك وقصدتك وهذا من قول الآخر، إن دهراً يلف شملي بجملٍ، لزمان يهم بالإحسانن
[ملك إذا امتلأت مالا خزائنه ... أذاقها طعم ثكل الأم للولد]
جعل الحزائن كالأم والمال كالولج يقول إذا امتلأت خزائنه بالمال فوق بينه وبينها فكأنها أم فقدت ولدها
ماضي الجنان يريه الحزم قبل غدٍ ... بقلبه ما ترى عيناه بعد غد