يقول لما فارقتكم استوحشت لفراقكم حتى امتنع رقادي أي لإلفي إياكم على جفائكم ثم قويت فتصبرت وعاد إليّ النوم والمرير ما فتل من قويِّ الحبل يقال استمر مريره إذا قوي عزمه
وإن بليت بودٍ مثل ودكمُ ... فإنني بفراقٍ مثلهِ قمنُ
يقول إن كنت في قوم آخرين فعاملوني معاملتكم فارقتهم كما فارقتكم وهذا تعريض بالأسود يعني أنه إن جرى على رسمكم الحقته بكم في الفراق ومثل هذه الأبيات ما أنشده المبرد، لا تطلب الرزق بإمتهان، ولا ترد عرف ذي امتنان، واسترزق الله فاستعنه، فإنه خير مستعان، أشد من فاقةٍ وجوعٍ، إغضاء حر على هوان، وإن نبا منزل بقومٍ، فمن مكانٍ إلى مكانِ،
أبلى الأجلة مهري عند غيركم ... وبدل العذر بالفسطاط والرسنُ
يقال جل وجلالٌ وأجلة والعذر جمع عذار الفرس والفسطاط اسم لمصر وفيه ست لغات معروفة يقول طال بمصر مقامي لإكرام مثواي هناك حتى بليت جلالُ الفرس وعذره ورسنه فأبدلت بغيرها وعبر عن طول المقام ببلي هذه الأشياء
عند الهمام أبي المسك الذي غرقت ... في جوده مضر الحمراء واليمنُ
مضر الحمراء هو مضر بن نزار ولما مات نزار تحاكم أولاده ربيعة ومضر وإياد وأنمار إلى جرهم في قسم ميراثه فأعطى ربيعةُ الخيل فسمي ربيعةَ الفرس وأعطى إياد الإبل فسمي إيادَ النعم وأعطى مضر الذهب فسمي مضر الحمراء وما فضل من سلاحٍ وأثاث أعطى إنمارا فسمي إنمار الفضل واليمن ليسوا من أولاد مضر فلذلك افردهم بالذكر
وإن تأخر عني بعض موعدهِ ... فما تأخر آمالي ولا تهنُ
يعني أن عداتهِ زائدةٌ على آماله يقول هو ينفذ آمالي وليس يتأخر عني ما آمله ولا يضعف رجائي عنده وإن تأخر بعض موعده ثم ذكر عذر تأخره بقوله
هو الوفيُّ ولكني ذكرتُ له ... مودةً فهو يبلوها ويمتحنُ
يقول هو يفي بما وعد غير أنه يمتحن ما ذكرت له من المودة والمحبة في الإنقطاع إليه ومما قال بمصر ولم ينشدها الأسود ولم يذكره فيها
[صحب الناس قبلنا ذا الزمانا ... وعناهم من شأنه ما عنانا]
وتولوا بغصةٍ كلهم من ... هـ وإن سر بعضهم أحيانا
يعني لم ينل أحد مراده من الدنيا ولم يبلغ أمله ومات بغصته وإن سر في بعض الأحايين
[ربما تحسن الصنيع ليالي ... هـ ولكن تكدر الإحسانا]
عادة الدهر هكذا يعطي ثم يرجع فيما يعطى ويحسن ولا يتمم الإحسان كما قال، الدهرُ أخذُ ما أعطى مكدر ما، أصفا ومفسدُ ما أهوى له بيدِ،
[وكأنا لم يرض فينا بريب ال ... دهر حتى أعانه من أعانا]
يقول هذا الذي أعان عليَّ الدهر كأنه لم يرض بما يصيبني من محنه حتى أعانه عليّ كما قال الآخر، أعانَ عليَّ الدهرَ إذ حك بركهُ، كفى الدهرُ لو وكلتهُ بي كافيا،
كلما أنبت الزمان قناةً ... ركب المرء في القناة سنانا
يقول إذا ابتدر الزمان للاساءة بما جبل عليه صارت عداوة المعادي مددا لقصده فجعل القناة مثلا لما في طبع الزمان وجعل السنان مثلا للعداوة
[ومراد النفوس أضغر من أن ... نتعادى فيه وأنا نتفانا]
هذا نهي عن المعاداة والتحاسد لأجل مراد النفس فإنه أقل من أن تتكلف لأجله معاداة الرجل
غير أن الفتى يلاقي المنايا ... كالحاتٍ ولا يلاقي الهوانا
يعني أن الحر أحب إليه الموت من أن يلقى ذلا وهوانا
ولو أن الحيوة تبقى لحيٍّ ... لعددنا أضلنا الشجعانا
يقول لو كانت الحياة باقيةً لكان الشجاع الذي يتعرض للقتل بحضور القتال أضل الناس يعني أن الحيوة لا تبقى وإن جبن الإنسان ولزم بيته وحرص على البقاء ثم أكد هذا بقوله
[وإذا لم يكن من الموت بد ... فمن العجز أن تكون جبانا]
كل ما لم يكن من الصعب في الأن ... فس سهلٌ فيها إذا هو كانا
يقول إنما يصعب الأمر على النفس قبل وقوعه فإذا وقع سهل كما قال البحتري، لعمرك ما المكروه إلا ارتقابه، وأبرح مما حل ما يتوقع وقال يذكر خروج شبيب العقيلي سنة ٣٤٨
عدوك مذموم بكل لسانِ ... ولو كان من أعدائك القمرانِ
يقول من عاداك دل على جهالته وسقطت منزلته عند الناس حتى ذمه كل احد ولو كان القمران من أعدائك لصارا مذمومين مع عموم نفعهما وإرتفاع منزلتهما
ولله سر في علاك وإنما ... كلام العدي ضرب من الهذيانِ