حكى أبو علي ابن فورجة عن أبي العلاء المعري في هذا البيت يعني أن الغمد بما عليه من الحليّ والذهب أنفسُ من السيف كأنه كان محلى بكثير من الذهب فجعل الغمد جلدا إذ جعل السيف شامةً قال أبو علي والذي عندي أنه أراد بجلده ظاهره الذي عليه الفرند لأن أنفس ما في السيف فرنده وبه يغالي سومه ويستدل على جودته وقالابن جنى يعني أنه يلوح فيما أعطاه كما تلوح الشامة في الجسد لحسنه ونفاسته وقوله جلدها منفساته وعتاده أي ما يلي هذا السيف مما تقدمه وتأخر عنه من بره كالجلد حول الشامة وقال أبو الفضل العروضي منكرا على أبي الفتح ألم يجد أبو الفتح مما يحسن في الجلد شيئا فوق الشامةِ كالعين الحسناء ولكنه أراد أن هذا السيف على حسنه وكثرة قيمته كالنقطة فيما أعطاه ألا تراه يقول جلدها منفساته أي قدر هذا السيف وهو عظيم القيمة في عطاياه كقدر الشامة في الجلد وهؤلاء الذين حكينا كلامهم كانوا أئمة عصرهم ولم يكشفوا عن معنى البيت ولا بينوه بيانا يقف عليه المتأمل ويقضي بالصواب ومعنى البيت أ، هـ جعل ذلك السيف شامةً والشامةُ تكون في الجلد ولما سماه شامةً سمى ما كان معه من الهدايا التي كان السيف في جملتها جلدا والمنفسات الأشياء النفيسى والكناية في المنفسات والعتاد تعود إلى الممدوح وذلك أنه أهدى إليه شياءَ نفيسة من الخيل والثياب والأسلحة فهو يقول هذا السيف في جملتها شامةٌ في جلدٍ وذلك الجلد هو منفساتُ الممدوح وعتاده الذي كان له فاهداه إليّ وقول المعري أيضا قريبٌ من الصواب على رد الكناية في المنفسات والعتاد إلى الحسام وهو أنه يصغر السيف في قيمة غمده وما عليه من الذهب والحلي مما جعل عتادا للسيف وقول ابن فورجة هوسٌ ليس بشيء
فرستنا سوابق كن فيه ... فارقت لبده وفيها طرادهْ
أي جعلتنا فرسانا خيل سوابق كن في نداه أي كانت في جملة ما أعطانا خيلٌ سوابقُ فارقت لبده أي انتقلت إلى سرجي وفارقت سرج ابن العميد وفيها طراده قال ابن جنى أي قد صرت معه كأحد من في جملته فإذا سار إلى موضع سرت معه وطاردت بين يديه فكأنه هو المطارد عليها قال العروضي هذا كلام من لم ينتبه بعد من نوم الغفلة إنما يقول فارقت هذه الخيل لبده وفيها تأديبه وتقويمه وهذا على ما قال وما ذكره ابن جنى هوس وسوداء ملومٍ ليس في البيت منه شيء يقول أبو الطيب الخيل السوابق التي كانت في نداه وجملة ما أعطاناه فرستنا أي علمتنا الفروسية لأنها فارقت لبده حين أعطاناه وفيها ما علمه بطراده وتأديبه إياها وليس يريد بقوله فرستنا حملتنا حتى صرنا فرسانا عن الرجلة وقوله وفيها طراده يريد تأديب طراده وأدب طراده على حذف المضاف
ورجت راحةً بنا لا تراها ... وبلادٌ تسير فيها بلادهْ
قال ابن جنى لما انتقلت خيله إليّ رجت أن تستريح من طول كده إياها وليست ترى ذلك من جهتي ما دمت أسير في بلاده والعمل الذي يتولاه لسعةِ بلده وامتداد الناحية التي تحت يده هذا كلامه وليس لسعة البلد وامتداد الناحية هاهنا معنى إنما يقول لا ترى هذه الخيل ما ترجوه لأنا لا نزال نغزو معه بغزواته ونطارد عليها معه إذا ركب إلى الصيد وإنما تستريح إذا فارقنا خدمته ونحن لا نفارق خدمته وبلاده
هل لعذري إلى الهمام أبي الفض ... لِ قبولٌ سواد عيني مدادهْ
قال ابن جنى أي رضيت أن يجعل المداد الذي يكتب به قبول عذري سوادَ عيني حبا له وتقربا منه هذا كلامه وليس كما قال لأن المراد قبول العذر لا أن يكتب الممدوح ذلك والمعنى أنه يقول هل يقبل عذري وهل عنده قبولٌ لعذري ثم قال سواد عيني مداده على طريق الدعاء كأنه قال جعل الله مداده سواد عيني يعني أنه أن استمد من سواد عيني لم أبخل عليه وإنما قال هذا لأنه كاتبٌ وحاسبٌ يحتاج إلى المداد والكناية في مداده تعود إلى أبي الفضل وعلى ما قال ابن جنى تعود إلى العذر وليس بشيء
أن من شدة الحياء عليلٌ ... مكرماتُ المعلهِ عوادهْ
يقول أنا لغلبة الحياء عليّ كالعليل وبرُّ الذي أعلني وهداياه تأتيني كل يوم كأنها عوادق تعودني وإنما استحيا لأن ابن العميد عارضه في بيتٍ من شعره أو ناظره في شيء منه ولهذا جعله معلا له وقد شرح أبو الطيب هذه القصة فيما بعد هذا البيت فقال
ما كفاني تقصير ما قلتُ فيه ... عن علاهُ حتى ثناهُ انتقادهْ